لا شك أن الأمر الأكثر جدلا هذه الأيام هو وصف ما حدث فى ثورة 30 يونيه 2013 وما مدى شرعيته؟ وهل يتفق مع مبادئ الديمقراطية أم لا؟
فى البداية يجب أن نعرف أن الديمقراطية هى نظام الحكم الذى من خلاله يكون الشعب مصدر السلطات، ويكون الحكم للشعب من خلال هيئات تمثيلية يتم انتخابها فى انتخابات حرة بدون استقطاب أو خداع، ونزيهة دون تشويه أو تزوير – أى أن أساس الديمقراطية هو إرادة الشعب – ومبادئ الديمقراطية الأساسية هى الفصل بين السلطات (القضائية والتشريعية والتنفيذية)، بحيث لا تتحكم سلطة فى الأخرى وكذلك مراعاة حقوق الإنسان وحقوق الأقليات، وضمان الحريات المدنية والسياسية لجميع الأشخاص، والدستور هو العقد الاجتماعى الذى ينظم العلاقة بين جميع الأفراد والسلطات، لذلك وجب أن يكون الدستور معبرا عن جميع فئات الشعب دون تجاهل أو إقصاء، وكذلك يكون ضامنا لجميع الحقوق الحريات.
وقد أصبحت الديمقراطية نظام الحكم السائد فى العالم لما توفره من أدوات تضمن تحقيق آمال وطموحات الشعوب، ولكن على الجانب الآخر يرى البعض أن الديمقراطية ليست هى النظام الأفضل لأنها قد تنتج نظاما استبداديا يتحكم فيه الأغلبية فى باقى فئات الشعب دون مراعاة لحقوقهم، ولكن الذى ينتج هذه الأنظمة الاستبدادية هى الديمقراطيات الناقصة، والتى لا تشمل منظوماتها جميع مبادئ الديمقراطية.
ففى بعض الأحيان تتسلق بعض الأنظمة للديمقراطية لتصل للحكم – رغم أنها لا تؤمن بمبادئها – ثم تغفل العمل بباقى مبادئ الديمقراطية؛ فهتلر وحزبه النازى وصلا للحكم عن طريق انتخابات ديمقراطية ثم انقلبوا عليها، فماذا على الشعوب أن تفعل فى هذه الحالة؟
أما ما حدث فى مصر، فمن الناحية الاجتماعية فشلت حكومة الإخوان فى إدارة مؤسسات الدولة وظهرت الأزمات المتلاحقة فى نفس الوقت من قطع الكهرباء لفترات طويلة أصبحت شبه دائمة، وامتدت الطوابير لمدة ساعات ولمسافة كيلومترات أمام محطات الوقود بجانب غلاء الأسعار والمواطن هو الذى يتضرر ويدفع ثمن هذه الأزمات.
أما من الناحية السياسية، فتفننت السلطة التنفيذية فى الهيمنة والاعتداء والتدخل فى شئون السلطات الأخرى – خاصة القضائية – ولكن السلطة القضائية صمدت، وكذلك استحوذ رئيس الجمهورية على السلطة التشريعية فى الإعلان الدستورى الاستبدادى، والذى شمل أيضا (تحصين) قرارات الرئيس السابقة والمستقبلية (!)، وطبعا النظام الديمقراطى القائم على حكم الشعب ومشاورته فى جميع الشئون لا يعرف معنى (للتحصين)؛ فقد كان هذا الإعلان غير دستورى وغير ديمقراطى، ثم انتهى الأمر بجريمة (سلق) الدستور.
وفى وسط هذه الأزمات المعيشية والسياسية يقف الشعب ويراقب؛ الشعب الذى أسقط نظام أسبق لم يلبى مطالبه وطموحاته، ووقف أمام صناديق الانتخابات فى تجربة ديمقراطية فريدة، ولكن الشعب الذى وجد نفسه لم يرى من التجربة الديمقراطية إلا صندوقها، والذى لم يوقع لأحد (على بياض) ليفعل ما يشاء دون مراقبة، وبما أن جوهر العملية الديمقراطية هو إرادة الشعب، ثار الشعب على نظام تسلق جدران الديمقراطية واستتر بها ولكنه لم يدرى أن الديمقراطية أساسها الشفافية وتعمل فى النور، فتظاهرت الجموع فى النور لتكشف ظلمات الجماعة.
إذا فنظام الإخوان وفشله وسقوطه كان تجربة واجبة لنتعلم كيف تبنى الأوطان على أسس ديمقراطية كاملة، ونحن نأمل متفائلين دائما إن مستقبل مصر أفضل.