فئة المناقشات العامة

أستحضر فى ظل ما نمر به من أحداث كتابين نشرتهما خلال الستة شهور الماضية.. الأول "رسالة إلى الله.. من مسلم فى عهد الإسلام السياسى".. وكتبته متأثراً بضحايا أحداث قصر الاتحادية، والثانى "رسالة إلى الله.. من مسيحى فى عهد الإسلام السياسى".. وكتبته متأثراً بضحايا أحداث الكاتدرائية.

من وحى الرسالتين اقتبست فقرات أتوجه بها إلى الله كدعاء من القلب باسم عنصرى الأمة، عسى أن ينزل رحمته وفضله علينا وعلى مصرنا الغالية.

"إلهى الحبيب..
يا لطيف يا رحيم بعبادك..
قلت جل جلالك: (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِى أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) .. مؤكداً أهمية الأمان كحاجة أساسية للإنسان..

كما أكد رسولك الكريم صلى الله عليه وسلم حرمة المسلم.. والنهى الشديد عن ترويعه وتخويفه والتعرض له بما قد يؤذيه.. فقال عليه الصلاة والسلام: (لا يحل لمسلم أن يروع مسلماً)
وكذلك قال: (من أخاف مؤمناً كان حقاً على الله أن لا يؤمنه من أفزاع يوم القيامة).
وبالغ عليه الصلاة والسلام فى إيضاح عموم النهى فى كل أحد وكل حال.. سواء من يتهم فيه ومن لا يتهم، وسواء كان هزلاً أو لعباً ولو بين أخوين عندما قال: (من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه حتى يدعه وإن كان أخاه لأبيه وأمه).

أتساءل عندما أرى الدعوات للعنف ورفع شعارات الجهاد بالدم.. والترويع بالدعوة إلى إقتحام ميادين مصر والتهديد بحرق البلد.. هل قرأ زعماء الإسلام السياسى هذه الآيات والأحاديث أو سمعوا بها.. هل تفكروا إلى أى مدى يقومون بترويع أب يخشى على قوت أولاده.. أو أم تخاف على حياة أبنائها وأمنهم.. أو شاب وضع كل ما يملك فى بداية مشروع صغير.. أو شخص يحب بلده و يخاف عليها من الخراب و الدمار؟

ياحافظُ الْعَهد وَمُغدِق الرحمة..
يحضرنى قول السيد المسيح: "كل مملكة منقسمة على ذاتها تخرب.. وكل مدينة أو بيت منقسم على ذاته لا يثبت".. "لأنه حيث الغيرة والتحزُّب، هناك التشويش وكل أمر ردىء"
ها نحن الآن نسير حثيثاً على طريق الانقسام والتفرقة..
وها نحن المسلمين المعتدلين والمسيحيين نجرع مرارة كأس الإقصاء والتكفير فى حملات سافرة لم يشهد التاريخ المصرى المعاصر لها مثيلاً..
ويرتفع شعار لا حكم إلا لله.. لا حول ولا قوة إلا بك.. كلمة حق يراد بها باطل.. أليس هذا هو نفس الشعار الذى رفعه الخوارج فى الفتنة التى أشعلوها وقتل بسببها عثمان بن عفان ثم على بن أبى طالب.. وتوالت المصائب تعصف بالمسلمين منذ موقعة الجمل ثم موقعة صفين وبعدها شهدت كربلاء مذبحة آل بيت رسولك الكريم.. وينقسم المسلمون إلى سنة وشيعة فى أول بادرة للانقسام والتشرذم ندفع ثمنها إلى يومنا هذا.

أيريدون لهذه الفتنة أن تستمر وتشتعل الآن بين أبناء مذهب واحد على أرض وطن واحد؟

سبحانك وتقدس اسمك.. هل الشعب سيدخل فى منافسة على الحكم مع رب العالمين؟

ما هذه إلا شعارات يريدون بها احتكار السلطة وتمكين فاشيتهم باسم الدين.. ليحتفظوا بحاكم يعتبر أنه ظل الله على الأرض.. فيكون فوق الحساب وفوق المساءلة والخروج عليه خطيئة،
وتختفى من ذاكرته وذاكرة بطانته الذين يأتون ويحكمون بإسم الدين آيات وأحاديث الشورى والعدل..

يا رب.. أعلم أن الضيق ينشئ صبراً.. والصبر تزكية.. والتزكية رجاء.. والرجاء لا يخزى.. لأن محبتك انسكبت فى قلوبنا..

يا رب "أَنْتَ الَّذِى أَرَيْتَنَا ضِيقَاتٍ كَثِيرَةً وَرَدِيئَةً، تَعُودُ فَتُحْيِينَا، وَمِنْ أَعْمَاقِ الأَرْضِ تَعُودُ فَتُصْعِدُنَا".
ها هى نار الفتنة تحاصر عبادك دافعة بالوطن كله نحو الهاوية..
كأنى أسمع نبؤات المسيح يردد الفضاء صداها من حولى: "اَلرُّعْبُ آتٍ فَيَطْلُبُونَ السَّلاَمَ وَلاَ يَكُونُ. سَتَأْتِى مُصِيبَةٌ عَلَى مُصِيبَةٍ، وَيَكُونُ خَبَرٌ عَلَى خَبَرٍ، فَيَطْلُبُونَ رُؤْيَا مِنَ النَّبِيِّ، وَالشَّرِيعَةُ تُبَادُ عَنِ الْكَاهِنِ، وَالْمَشُورَةُ عَنِ الشُّيُوخِ".
"لأَنَّهُ يَكُونُ حِينَئِذٍ ضِيقٌ عَظِيمٌ لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ مُنْذُ ابْتِدَاءِ الْعَالَمِ إِلَى الآنَ وَلَنْ يَكُونَ..
وَلَوْ لَمْ تُقَصَّرْ تِلْكَ الأَيَّامُ لَمْ يَخْلُصْ جَسَدٌ.. وَلكِنْ لأَجْلِ الْمُخْتَارِينَ .. تُقَصَّرُ تِلْكَ الأَيَّامُ".
وبصوت حزين.. ترد عليها نبؤات محمد عليه الصلاة و السلام: "ليغشين أمتى من بعدى فتن كقطع الليل المظلم.. يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسى كافراً، ويمسى مؤمنا ويصبح كافراً.. يبيع أقوام منهم دينهم بعرض من الدنيا قليل"..
"والذى نفسى بيده ليأتين على الناس زمان لا يدرى القاتل فى أى شيء قتل.. ولا يدرى المقتول على أى شىء قتل"..
يارب.. هل أوشكت هذه الفتن أن تحيط بنا؟ وعزتك وجلالك.. إنى لأشم رائحة دخانها و أسمع دبيب خطواتها.. ولن يحجزها عنا إلا رحمتك و لطفك بنا وبمصرنا..
يا أرحم الراحمين.. قلت فى كتابك أن مصر بلد معافاة من الفتن.. من ارادها بسوء كبّه الله على وجهه.. يا رب أنفذ مشيئتك.. كما قلت: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا) .. (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ)، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا).. (الرَّبّ قَرِيبٌ لِكُلِّ الَّذِينَ يَدْعُونَهُ، الَّذِينَ يَدْعُونَهُ بِالْحَقِّ)، (طَيِّبٌ هُوَ الرَّبّ لِلَّذِينَ يَتَرَجَّوْنَهُ، لِلنَّفْسِ الَّتِى تَطْلُبُهُ).. وبأن (مَلَاكُ الرَّبِّ حَالٌّ حَوْلَ خَائِفِيهِ وَيُنَجِّيهِمْ)..
يا رب.. لا تحرم مصر من بركة دعاء أبينا آدم لمصر.. "لا خلّتك يا مصر بركة، و لازال بك حفظ، ولا زال منك ملك وعز" ..
يا رب.. أنت تعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور.. وأنت أدرى بنفوس عبادك ونياتهم وضمائرهم..
اللهم أرنا الحق حقاًّ، وارزقنا إتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه..
اللهم آمنا فى أوطاننا.. وأدم نعمة الأمن والاستقرار فى بلادنا.. اللهم من أرادنا وبلادنا بسوء فأشغله بنفسه، واجعل كيده فى نحره، واجعل تدبيره تدميره .. آمين يا رب العالمين.
اللهم إليك المشتكى.. وأنت المستعان.. وبك المستغاث.. ولا حول ولا قوة إلا بك..

توقيع العضو : Qhr