خالد حنفى وزير "الشو الإعلامى" التموين (سابقا)
لا يختلف اثنان على أننا نعيش الآن حالة خاصة جداً تحت قيادة سياسية وطنية تسابق الزمن من أجل الخروج باقتصاد مصر من النفق المظلم، حالة من التحول الحقيقى نحو آفاق أوسع وأرحب مستندين فيها إلى العديد من المشروعات القومية العملاقة التى بكل تأكيد ستغير وجه الحياة بالكامل على أرض مصر فى القريب العاجل إن شاء الله.
كما لا يختلف إثنان على أن تلك الحالة الرائعة من العمل الوطنى الجاد الذى أرسى قواعدها الرئيس عبدالفتاح السيسى تتطلب أن تكون كل مؤسسات الدولة على هذا النحو من الجدية بل وتفرض على الجميع الالتزام بمبادئ المصداقية والشفافية طالما يتعلق الأمر بقضايا حيوية ترتبط بالأمن الاجتماعى للمواطنين بشكل مباشر.
وهنا ومن منطلق الحرص على ما يجرى الآن على أرض مصر فإننى أتوقف بعض الشىء أمام هذا الكم الهائل من التصريحات الإعلامية التى يفاجئنا بها صباح مساء الدكتور خالد حنفى وزير التموين حول مشروعات وإنجازات تتعلق بمنظومة السلع التموينية وغيرها من القضايا التى لاترتبط من قريب أو بعيد بالمواد الغذائية الأساسية التى يعتمد عليها المواطنون فى حياتهم، فمع الاحترام الكامل لشخصه ولمكانته على المستوى الإنسانى إلا أننى أرى أن تصريحاته وللأسف الشديد فى كثير من الأحيان معادة ومكررة خاصة فيما يتعلق بما تقوم به وزارة التموين من أجل توفير كل احتياجات المواطنين من السلع التموينية المدعومة، مما يجعل تلك المشروعات والأنشطة التى يتحدث عنها محل شك وريبة فالغالبية العظمى من هذه التصريحات لا تعدو كونها «كلام فى الهواء» وإن شئنا الدقة فهى فى مجملها مجرد حبر على ورق فتصريحات الوزير وببساطة شديدة تتعلق بالمواطن بشكل مباشر لذا فإنه من السهل واليسير على أى مواطن أن يلمس بنفسه إن كانت تلك التصريحات حقيقية أم أنها مجرد أضغاث أحلام.. ومن هذا المنطلق فإننا نجد أن الغالبية العظمى منها لا وجود لها إلا فى ذهن الوزير ومساعديه فقط الذين ربما تكون مهمتهم هى نقل صورة غير حقيقية عن واقع وزارة التموين فنجده يحرص كل الحرص على المضى قدمًا وهو ينتهج هذا النهج فى التعامل مع القضايا الحيوية المتعلقة بالمواد الغذائية.
واللافت للنظر بل والمثير للدهشة فى نفس الوقت أنه على الرغم من أن الدكتور خالد حنفى وزير التموين أحد وزراء حكومة المهندس إبراهيم محلب المعروفة بـ«الحكومة المقاتلة» إلا أنه وبسبب هذا الكم الهائل من التصريحات التى يدلى بها بشكل شبه يومى والتى لم يتحقق منها الكثير قد وضع نفسه وربما الحكومة بأكملها فى موقف محرج خاصة أنه وبمحض إرادته قد تحول إلى ما يشبه النغمة النشاز فى لحن جميل يعزفه باقتدار المهندس إبراهيم محلب بمصاحبة عدد ليس قليلا من وزرائه الذين يعملون ليل نهار دون أى ضجيج إعلامى لأنهم ببساطة شديدة يضعون نصب أعينهم هدفا محددا وهو تخفيف العبء عن كاهل المواطن المصرى البسيط الذى ينتظر منهم الكثير والكثير، فكلنا نعلم ونعى جيداً أن هذه الحكومة قد جاءت فى توقيت دقيق وفى لحظة فارقة من عمر الوطن وعليها مسؤوليات جسام لا تحتمل «الكلام» وإنما ينبغى أن تعتمد فى المقام الأول على العمل فقط بعيداً عن أى مغريات قد يتسبب فيها الظهور الإعلامى شبه المتكرر.
ليس مطلوباً من وزير التموين أن يحدثنا كل يوم عن مشروعات جديدة وعن أفكار ورؤى لا تتسق مع الواقع حتى يؤكد للقيادة السياسية أنه يمارس عمله على أكمل وجه، وليس مطلوباً منه أن يزيد من هموم البسطاء ويتسبب فى «تقليب المواجع» عليهم بكثرة وعوده البراقة فى محاولة منه لأن يجعل المواطن البسيط يشعر بأن الدولة تعمل ليل نهار من أجل راحته وتسعى جاهدة نحو تخفيف العبء عنه وأنها فى غمضة عين سوف تقدم له كل ما يحتاجه من سلع تموينية بأسعار رمزية فيفرح المواطن ويتوسم فى الحكومة الخير وينتظر منها الكثير والكثير ولكنه يصحو من هذا الحلم الجميل على واقع مختلف ويكتشف أنه كان يعيش كابوساً وليس مجرد حلم جميل.
المطلوب فقط من وزير التموين الدكتور خالد حنفى أن يقدم مشروعاً واحداً ويوفر له مقومات وعناصر النجاح ويعمل على تنفيذه فى صمت وبعيداً عن عدسات المصورين وأقلام الصحافة إلى أن يرى الناس النتائج رأى العين وقتها سيكون المشروع قد حقق الأهداف المرجوة منه بشكل حقيقى على أرض الواقع.. وبعد أن يدخل هذا المشروع حيز التنفيذ ويصبح حقيقة ملموسة من حقه فى هذه الحالة أن يعلن عن مشروعات أخرى وعن أفكار أخرى وعن خطط جديدة كيفما يحلو له.
وإحقاقاً للحق فإن الدكتور خالد حنفى وزير التموين يمتلك قدرة فائقة على الإقناع ويمتلك أسلوباً سلساً يجعل كلامه وتصريحاته فى غاية الإقناع كما تبدو تلك المشروعات سهلة التنفيذ وقابلة لتغيير كل أوجه الحياة، ولكن هل تتحقق الأحلام والأفكار بالكلام المنمق والمرتب بعناية فائقة، فقد سمعته وشاهدته مؤخراً عبر شاشة التليفزيون وهو يتحدث عن المشروع القومى لتحويل مصر إلى «محور لوجيستى عالمى» وإنشاء البورصات السلعية لتأمين الأمن الغذائى الاستراتيجى لمصر والتصدير للدول المحيطة وأبهرنى عرضه للمشروع وجعلنى أشعر بأننا مقدمون على نقلة نوعية فى هذا المجال،
ولكن فى نفس الوقت وجدتنى أتساءل: ماذا تم بالفعل فى المشروعات السابقة التى سمعنا عنها كثيراً ولم نجن من ورائها أى شىء حتى الآن، فماذا تم فى مشروع تدوير زيت الطعام المستعمل إلى سولار، والذى قيل إنه سيتم تنفيذه من خلال إحدى اللجان بجهاز تنمية التجارة الداخلية التابع لوزارة التموين.. هذا المشروع ما يزال مجرد فكرة جيدة، فأين هو على أرض الواقع بعد كل هذا الكلام الذى سمعناه من الوزير.
أخشى أن يكون الوزير قد باع الوهم للدولة.. وأخشى أن يكون الكلام الكثير عن مشروعات لم تتحقق سبباً كافياً لأن يتشكك الناس فى مصداقية المشروع الجديد الذى شغل وسائل الإعلام على مدى الأيام القليلة الماضية،
وكل ما أخشاه أيضاً أن يتحول مشروع «المحور اللوجيستى» إلى مجرد فكرة خيالية غير قابلة للتنفيذ على أرض الواقع، فهل تمت دراسة المشروع جيداً وتم البحث عن أفضل الأساليب التى من شأنها تنفيذه على أكمل وجه حتى لا نفاجأ فيما بعد أنه غير قابل للتنفيذ.. وفى هذه الحالة فإننا نكون أمام نموذج حى لما يمكن أن يتسبب فى ضرب ما يقوم به الرئيس السيسى من مشروعات كبرى فى مقتل، بل ربما يسىء إلى منظومة التنمية الحقيقية التى تجرى على أرض مصر بفكر ورؤى واستراتيجيات حقيقية يحرص على تنفيذها الرئيس ومعه نخبة من المخلصين والمحبين لهذا الوطن الذين يسيرون على نهجه ويتلمسون خطاه، فالمشروع لم يعد مجرد مشروع يخص وزارة فهو ومن خلال تلك الحملة الإعلامية قد أصبح مشروعا قومياً تتحمل تبعاته القيادة السياسية فيما بعد.
وبقراءة متأنية فى ملف التموين فى مصر نضع أيدينا على عدة نقاط تمثل عناصر الضعف فى هذه المنظومة والتى أعتقد أنها نتاج للإدارة غير السليمة لهذا القطاع الحيوى المهم، فهناك بعض الدراسات تشير إلى أن التقديرات المبدئية المتعلقة بالدعم تؤكد أن 20 مليون مواطن لا يستحقون الحصول على الدعم الذى تلتزم به الدولة تجاه الفئات محدودة الدخل، وبالطبع فإنه من غير المنطقى أن تستمر الدولة، وهى تمر بصعوبات اقتصادية فى دعم الأغنياء وأصحاب العقارات والأطيان والسيارات الفارهة، وهم شريحة تقدر بالملايين ويحصلون على الدعم التموينى تماماً مثل الفئات التى من أجلها يقدم الدعم.. أين دور وزارة التموين فى تنقية هذه البطاقات، وأين هى الرقابة على منظومة بطاقات التموين التى نسمع عنها كثيراً من وزير التموين والتى يخصص لها الوقت الأكبر من اهتماماته ويطالعنا بأحاديثه المتكررة عنها بشكل شبه يومى عبر الصحف المجلات ووسائل الإعلام المختلفة.
من جهة أخرى فإن وزير التموين دائم الحديث عن إعلانه الحرب على مافيا التهريب التى كانت قد تفشت فى وزارة التموين وعلى الرغم من ذلك فإن «مافيا التهريب» ما تزال كما هى وما تزال مستمرة فى قطاع تجارة المواد الغذائية وعلى وجه الخصوص فى تهريب دقيق القمح وهو أمر لا يحتاج إلى تصريحات إعلامية بقدر حاجته إلى اتخاذ خطوات جادة لوقف ظاهرة الفساد فى تجارة القمح فى دولة تعد أكبر دولة مستوردة للقمح فى العالم.
هناك مسألة أخرى تتسم بالغموض وتنم عن نوعية من القرارات المتسرعة والتى تفتقد للحكمة ولا تتسق مع الواقع الذى نعيشه، وهذه المسألة تتمثل فى أن مصر كانت قد حظرت تصدير الأرز منذ نوفمبر عام 2013 وذلك من أجل حماية السوق المحلية وفى نفس الوقت لضمان تحديد أسعار بيع فى متناول المستهلك البسيط، ولكن فوجئنا منذ بضعة أيام بقرار يسمح بتصدير الأرز إلى الخارج وهو ما يعد انتهاكاً لمبدأ «العدالة الاجتماعية» ففى هذه الحالة سيتم بكل تأكيد ارتفاع أسعار الأرز فى السوق المحلى مما قد يتسبب فى أزمة بالغة الصعوبة فى هذه السلعة الرئيسية بالنسبة للشعب المصرى.
ويبدو أن الدكتور خالد حنفى وزير التموين قد احترف التعامل مع وسائل الإعلام بمفردات وآليات متنوعة كفيلة بتحقيق «الشو الإعلامى» وذلك بتطرقه إلى موضوعات بسيطة للغاية وتتعلق بأحلام البسطاء فى الحصول على أكبر قدر ممكن من رعاية الدولة لهم، وهنا يحضرنى ما تناولته وسائل الإعلام عن لقاء الوزير مع ممثلين من أصحاب محلات وعربات بائعى الفول والطعمية والسندوتشات المنتشرة بالشوارع والميادين العامة والأسواق فى القاهرة، بهدف بحث استخراج بطاقات صرف خبز مدعم مجمعة لهم،
بالإضافة إلى صرف حصص يومية مدعمة من الفول والزيت والطحينة بهدف خفض أسعار الوجبات والسندوشات المباعة للمواطنين فى الشارع.. الموضوع فى منتهى الروعة من حيث الكلام النظرى ولكن من الصعب بمكان تحقيقه على أرض الواقع وتمضى الأيام ويبحث الوزير عن موضوع يعجب الناس ويجذب انتباههم ويبقى أصحاب عربات الفول والطعمية على نفس الحال انتظاراً لدعم الدولة المرتقب والذى وعدهم به معالى الوزير، أليس هذا نموذجًا حيًا للاستخفاف بعقول الناس، فما هذا الكلام سوى «شو إعلامى» ليردد الناس بأن وزير التموين يشعر بهم ويحرص على أن استقرار أسعار السندويشات الأساسية التى يعتمدون عليها بشكل أساسى فى حياتهم اليومية.
أنا لست ضد أى عمل إيجابى يقوم به وزير التموين أو أى وزير فى الحكومة طالما يستهدف فى المقام الأول إلى خدمة الناس والتخفيف عن معاناتهم اليومية ولكننى لم ولن أتردد لحظة فى التصدى لأى تصرف «غير واقعى» يصدر من وزير أو أى مسؤول فى الدولة لا يراعى فيه الله ولا يسعى من خلاله إلى إعلاء شأن المصلحة العليا.
ويشهد الله أننى ما كتبت هذا إلا من منطلق حرصى على المصلحة العامة ومصلحة المواطن أولًا وقبل كل شىء وهنا أذكر أى وزير أو أى مسؤول فى الدولة بل وأذكر نفسى أيضاً بقول الله عز وجل فى سورة الصف «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ* كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ».
ــــــــــــــــــ
نقلاً عن اليوم السابع
تم تنسيق الموضوع من قبل : Adel Rehan