دار الافتاء ليست طرفا في أي معادلة سياسية, ولكن وظيفتها هي بيان الحكم الشرعي فيما تسأل فيه, أو يظهر علي الساحة من قضايا تهم المصريين دون تمييز لتيار أو لشيء إلا للمصالح العليا والوطن
وشدد الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية في حواره لـ الأهرام علي أن دار الافتاء تقوم بهذا الواجب ليل نهار, ولن نسأم من القيام بهذه المهمة, قائلا: انني متفائل بمستقبل مصر, موجها رسالة للمصريين بأنه علينا أن نربي انفسنا علي ثقافة الأخذ بالاسباب والعمل والتنمية, وأشار إلي أن التعديلات الدستورية أكدت محورية الشريعة الإسلامية وذلك من خلال اعتبار مبادئها المصدر الرئيسي للتشريع. وإلي نص الحوار:
كيف تري الدستور الجديد؟ هل هو متوافق عليه من جميع الأطياف السياسية؟
ما يميز دستور2013 أو التعديلات التي أجريت عليه أنه يعبر عن جميع أطياف الشعب المصري, كما أنه أعطي حقوقا كثيرة للطوائف التي كانت مهمشة في مصر, وأن إقرار الدستور من قبل الشعب المصري سوف يحقق الاستقرار للبلاد, والدستور بحالته الحالية أو ما انتهينا إليه يدل علي جهد كبير بذل من أجل أن يخرج بهذه الصورة المشرفة, التي ستكون مرضية إن شاء الله للشعب المصري, فلقد حرص القائمون علي الدستور أن يذيبوا ألوان الخلاف فيما بينهم للوصول إلي حالة توافقية مرضية للجميع, والحمد لله تعالي حسمت كل المواد الخلافية وخرجت في صورتها النهائية لتناسب تطلعات الشعب المصري, وعن حالة التوافق عليه فقد كان للأزهر الشريف دور كبير في الدستور وإحداث حالة من التوافق بين الجميع انطلاقا من دوره الوطني الكبير, وأنه لن يتخلي عن هذا الدور, وتاريخه خير شاهد خاصة في أوقات الأزمات التي يمر بها الشعب المصري.
البعض يري أن التعديلات الدستورية نالت من نصيب الشريعة.. ما رأي فضيلتكم في ذلك ؟
بالعكس فالتعديلات الدستورية الأخيرة التي لعب الأزهر الشريف دورا كبيرا فيها أكدت محورية الشريعة في الدستور, وذلك من خلال اعتبار مبادئها المصدر الرئيسي للتشريع, وهذا يقطع الجدل حول إقصاء الشريعة من الدستور, وهذا يؤكد الحالة المصرية المتفردة, لأن التجربة المصرية مع الإسلام الحضاري تعتبر واحدة من أعظم التجارب التي أظهرت التسامح والتعايش بين أبناء الوطن الواحد.
ما الفكرة التي اتفق عليها ممثلو الأزهر من البداية؟ وما الجدل حول مدنية الدولة؟
حرصت اللجنة الممثلة للأزهر الشريف في بداية عملها علي أن يكونوا ممثلين للشعب المصري بكل فئاته وأطيافه, وذلك كما أوصي فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر فضيلة الأستاذ الدكتور أحمد الطيب, كما حرصت اللجنة أيضا علي تجنب كل ما من شأنه أن يحدث انقساما بالمجتمع, وأن يحافظوا علي الثوابت الإسلامية المستقرة في ضمير الشعب المصري, وأن يطمئنوا شركاء الوطن المسيحيين, أما بخصوص مدنية الدولة فكان رفض ممثلي الأزهر كتابة مصطلح مدنية كوصف للدولة في مقدمة الدستور يرجع إلي ما تثيره هذه الكلمة من التباس في الفهم لدي الكثير; فالبعض يفسر كلمة مدنية علي أنها علمانية, والإسلام لا يعرف الدولة الدينية بمفهومها الغربي الثيوقراطي, وأما وصف المدنية فإنه يليق بالحكومة ولا يصح مع الدولة, وعليه تم التوافق علي ذلك بالديباجة.
ما الواجب علي علماء الدين القيام به في ظل الظروف التي تمر به البلاد حاليا؟
هم يقع عليهم عبء كبير لا بد أن يجتهدوا من أجله, والمرحلة حرجة بالفعل, هم عليهم أن يسعوا جاهدين في تحقيق وحدة الصف الإسلامي التي تعتبر فرضا من فروض الدين, وأساسا من أساساته خاصة في هذه الظروف التي تمر بها الأمة حاليا; حيث يتربص أعداؤها بها ويحاولون فرض روح الشحناء والتفرقة والنعرات الطائفية بين أبناء الدين الواحد, كما أطالب العلماء والمفكرين بالحض علي تعاليم الإسلام السمح واتباع أسلوب الحكمة والموعظة الحسنة في الدعوة إلي الله وكيفية العيش مع الآخر وتقبله واحترام عقائده, والبعد بالخطاب الديني عن اللغة التي تبغض الناس في الدين وتحدث فرقة وتناحرا بين أبناء الوطن الواحد.
وكيف تري مستقبل مصر؟ وهل من رسالة توجهها للمصريين؟
- متفائل إن شاء الله بمستقبل مصر, وأري أن الله تعالي سيحفظ هذه الأرض المباركة كما حفظها في السابق, كما أنني أوجه رسالة للمصريين جميعا بأنه علينا أن نربي أنفسنا علي ثقافة الأخذ بالأسباب, وعلي العمل والتنمية, وأننا لن نذل أنفسنا أمام العالم الخارجي, لأن مصر مليئة بالخيرات التي حباها الله تعالي بها, وخير دليل علي ذلك طيور مصر المهاجرة من خيرة أبنائها, ونحن نطالب الدولة بالاستفادة بالخبرات المصرية الموجودة بالخارج وتهيئة الأجواء لعودتهم فهم ثروة حقيقية لمصر.
ما نصيحتك للأطياف السياسية خصوصا مع انتشار الانقسامات والاختلافات في الآراء والتوجهات؟
لا يخفي علي أحد ما يحدث الآن في مصر من الشقاق والتناحر والخلاف والانتصار للمصلحة الشخصية والرأي الشخصي أو الحزبي أو التيار وخلافه في وقت غابت فيه مصلحة الوطن بل تلاشت, ومن وجهة نظري فهذا التشخيص السليم للداء, والذي يتطلب منا أن نصف الدواء الناجع لأن التشخيص الدقيق يسهل عملية وصف الدواء الناجع والذي بدوره يؤدي إلي الشفاء إن شاء الله, وأعتقد أن أفضل دواء لذلك المرض هو الوحدة والاتفاق ونبذ الخلاف والشقاق, بالإضافة إلي التأسي بالنبي صلي الله عليه وسلم والتحلي بمكارم الأخلاق, وأيضا إحسان الظن بالآخرين, وهذه معان عظيمة إذا فقدتها أمة ضاعت وانهارت, وإذا تمسكت بها قويت وعظمت واستقامت, فالجميع يدرك أهمية الوحدة ونبذ الخلافات في هذا الوقت علي وجه الخصوص, ونحن ندعو جميعا ألا يكون الاختلاف في الرأي سببا لتباعد الأمة وتفرقها, ففي الوحدة ينتشر الأمن والأمان وتتوافر الحياة الاقتصادية السعيدة لأبناء الوطن. إن الحفاظ علي هذه الوحدة من أوجب الواجبات الآن حتي تستطيع مصر عبور هذه المرحلة الصعبة, وان مبدأ الاتفاق والوفاق ينبغي أن يكون الميزان الذي توزن به الأمور داخل هذا الوطن, كما أنه علينا أن نلتفت إلي التنمية والتي لابد أن تكون علي وجهين, الوجه الأول مواجهة مشكلاتنا الكبري وعلي رأسها البطالة والفقر المزمن والعشوائية وما يتعلق بها من ظواهر سلبية. والوجه الآخر يتعلق بالابتكار والإبداع والتجديد والتطوير والاستغلال الأمثل للموارد البشرية.
ما الحلول الممكنة لعلاج مشكلات الوطن؟
لحل كل المشكلات التي تواجه الوطن لا بد أن يترجم الانتماء الحقيقي لهذا الوطن إلي أفعال للمصلحة العامة وليس لمصالح أخري, علاوة علي ضرورة وجود دائرة الاتفاق بين أبناء الوطن أكبر بكثير من دائرة الاختلاف والتركيز علي ما يجمع الناس لا ما يفرقه, العمل هو ما سيصل بمصر إلي بر الأمان, البعد عن إثارة الشائعات وترديدها بما يضر بأمن وسلامة البلاد, عدم التركيز علي الأشياء التافهة التي تضر والتركيز علي ما ينفع البلاد والعباد, البعد عن أي نوع من أنواع الصراعات التي من شأنها أن تفت في النسيج الوطني, الاهتمام بالعلم والبحث العلمي لأنهما بمثابة القاطرة التي تجر مصر إلي مصاف الدول الكبري, فمصر مليئة بالخيرات والخبرات التي سوف تسهم بإذن الله وبقوة في بناء مصر في عهدها الجديد.