وقد تركت القمة ونتائجها العديد من الأسئلة التي تحتاج إلي إجابات شافية وفي مقدمتها سؤال محوري هو: هل ستقف القوي الكبري, وفي مقدمتها الولايات المتحدة مكتوفة الأيدي أمام التقارب العربي ـ الافريقي؟ وهل يمكن أن تراه خصما من رصيدها ورصيد حلفائها في القارة؟
وحتي تكون الإجابة منصفة بعيدة عن التكهنات تم اللجوء إلي وثيقة تاريخية مهمة أعادتها الأحداث إلي الحياة. فالوثيقة مازالت تحمل معلومات تعكس وبقوة موقف الولايات المتحدة' الحقيقي' من التعاون العربي ـ الأفريقي المشترك منذ صدورها في يناير1973 وحتي اليوم.
وقد جاء في الوثيقة التي صدرت عن وزارة الخارجية الأمريكية بتاريخ26 يناير1973 تحت عنوان:'غرب أفريقيا: نمو النفوذ العربي' ما يشير إلي أن أفريقيا السوداء أصبحت مسرحا للتنافس الدبلوماسي المكثف بين العرب وإسرائيل. وأن الدول العربية قد إستعانت بأوراق رابحة تمثلت في إستخدام المشاعر الدينية لدي دول غرب أفريقيا ذات الأغلبية المسلمة, وتقديم عروض المساعدات المالية لتحقيق نجاحات كبيرة في مواقع الدبلوماسية الإسرائيلية. وفي نهاية الوثيقة تمت الإشارة إلي آثار التعاون العربي الافريقي علي الولايات المتحدة. وجاءت كما يلي:'إن زيادة إنحياز الدول الافريقية للجانب العربي فيما يتعلق بنزاع الشرق الأوسط يتداخل مع مسألة أخري لا يتفق الافارقة والولايات المتحدة بشأنها. وإنه لمن دواعي سرور الدول العربية الأكثر نشاطا أن تستخدم القوة التصويتية للعديد من دول أفريقيا جنوب الصحراء لتعزيز مواقفها, وفي المقابل ترحب تلك الدول الأفريقية بالدعم العربي لمسائل مثل تحرير الجنوب الأفريقي( في إشارة للصراع ضد العنصرية والإستعمار). وتعد زيادة النفوذ العربي في أفريقيا السوداء وسيلة للإسراع من الجهود الواعية للتوصل لسبل للضغط علي الولايات المتحدة في المجالات ذات الإهتمام الرئيسي للعرب والأفارقة.'
وكما تشير الأحداث فنحن نشهد اليوم تأثر ورقة المشاعر الدينية الإسلامية في القارة الأفريقية بضغوط ما يسمي بـ'الحرب ضد الإرهاب' إلي حد إستجداء دول مثل كينيا ونيجيريا وأوغندا والنيجر ومالي وإثيوبيا العون من الولايات المتحدة وفرنسا وإسرائيل لمكافحة ما يوصف هناك بـ'الإرهاب الإسلامي المتطرف'.
أما فيما يتعلق بالمساعدات المالية فتكفي الإشارة إلي برامج المعاملات التجارية الميسرة والمساعدات المالية والتقنية والتعليمية' المشروطة' التي تقدمها الدول الكبري لأفريقيا جنوب الصحراء حتي ندرك أن المساعدات العربية أصبحت بمثابة جزيرة في نهر المساعدات الدولية المتدفق علي أفريقيا منذ عقدين من الزمان.
وفي تحليلات حديثة للعلاقات بين الولايات المتحدة وأفريقيا تمت الإشارة إلي أن تعداد القوات الأمريكية المتوقع بأفريقيا خلال العام الحالي هو3 آلاف فرد, وقدرت نفقات قيادة أفريقيا التابعة للولايات المتحدة في العام الماضي فقط بـ275 مليون دولار. وعدد قواعد الطائرات دون طيار الأمريكية في أفريقيا بـ8 قواعد. وقدرت الصادرات الأمريكية لأفريقيا في عام2012 فقط بـ316 مليار دولار بينما قدرت الواردات بـ6628 مليار دولار. وفي نهاية عام2011 قدرت الإستثمارات الأمريكية المباشرة في أفريقيا بـ6,56 مليار دولار وسط توقعات بالزيادة بحلول نهاية.2013 أما المساعدات المباشرة لعام2014 فمن المتوقع أن تصل إلي35 مليار دولار.
ومن خلال الأرقام والإحصاءات سالفة الذكر يمكن التوصل إلي أن أفريقيا أصبحت اليوم ميدانا للتنافس والصراع الدولي بين كافة القوي العالمية الكبري مضافا إليها الكيانات الإقتصادية والتجارية الدولية حيث يسعي كل طرف إلي جني أكبر فائدة من القارة الثرية بمواردها المتنوعة وموقعها الجيوسياسي الهام.
وهكذا بدا من الواضح أن واشنطن وباقي القوي العالمية الكبري تسعي لأن تكون مفاتيح نجاح العلاقة العربية الأفريقية في قبضة يدها وهو ما يستلزم المزيد من التقارب' الحقيقي' بين العرب وأفريقيا مع إعمال الفكر المبدع الخلاق لإكتشاف وإقتحام طرق جديدة غير مطروقة للتعاون والتقارب بين الطرفين والتوصل إلي أشكال من التعاون الذي يحظي بقبول جميع الأطراف.