الهجرة إلى الله
وهناك هجرة أعلى منها وهى أن يهاجر من الكونين إلى مكون الأكوان عز وجل ، وهى الهجرة بتوفيق الله من الدنيا والآخرة إلى وجه الله، فهى هجرة قلبية، أى بالنية، أى أن الإنسان لا يقصد عند نية أى عمل دنيا كالشهرة والسمعة والرياء، ولا يقصد به ثواب ولا جنات فى الآخرة، ولكن يقصد به وجه الله، وهذه المعاملة الأعلى التى ذكر الله فيها أهل الصُفة وقال فيهم لحبيبه ومصطفاه عليه أفضل الصلاة وأتم السلام:
وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ [28الكهف]
عملهم كله طلباً لوجه الله، وهذه المعاملة الأجمل والأكمل والأعلى، وهى هجرة الأفراد الذين فروا إلى الله:
فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ [50الذاريات]
إذن يجب على الإنسان فى بداية كل عام هجرى أن يراجع هجرته لينظر ماذا فعل فيها، ويرجع مرة أخرى ليهاجر من جديد، فلو هجرت فى كل عام خُلُقاً سيئاً واحداً ولم تعد إليه أبداً ياهناك، فلو هجرت فى عام الكذب مثلاً ولم أعد إليه مرة أخرى، ثم هجرت خلقا آخر وهكذا فسيأتى يوم أكون تخلقت فيه بأخلاق الحبيب: (فحافظ على منهج المختار فى العقد تنسق) ويدخل فى:
مُّحَمَّدٌ رَّسُوْلُ اللهِ وَالَّذِيْنَ مَعَهُ [29الفتح]
لكن من يترك نفسه هملاً لا يراجع أخلاقه ولا أعماله ولا نياته فهذا سيندم وعند نفَسه الأخير سيقول:
يَـحَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطتُ فِى جَنْبِ اللهِ [56الزمر]
فلابد للإنسان أن يراجع سلوكياته وأخلاقه ونواياه وطواياه وأعماله وأحواله حتى يزنها بميزان رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم