كان بالبصرة عابد حضرته الوفاة ..
فجلس أهله يبكون حوله فقال لهم أجلسوني
فأجلسوه فأقبل عليهم وقال لأبيه : يا أبت ما الذي أبكاك ؟
قال : يا بني ذكرت فقدك وانفرادي بعدك .
فالتفت إلى أمه ، وقال : يا أماه ما الذي أبكاك ؟
قالت : لتجرعي مرارة ثكلك .
فالتفت إلى الزوجة ، وقال : ما الذي أبكاك ؟
قالت : لفقد برك وحاجتي لغيرك .
فالتفت إلى أولاده ، وقال : ما الذي أبكاكم ؟
قالوا : لذل اليتم والهوان من بعدك ، فعند ذلك نظر إليهم وبكى
فقالوا له : ما يبكيك أنت ؟
قال أبكي لأني رأيت كلا منكم يبكي لنفسه لا لي .
أما فيكم من بكى لطول سفري ؟ أما فيكم من بكى لقلة زادي ؟
أما فيكم من بكى لمضجعي في التراب ؟
أما فيكم من بكى لما ألقاه من سوء الحساب ؟
أما فيكم من بكى لموقفي بين يدي رب الأرباب ؟
ثم سقط على وجهه فحركوه ، فإذا هو ميت .
سَفَري بَعيدٌ وَزادي لَنْ يُبَلِّغَنـي**وَقُوَّتي ضَعُفَتْ والمـوتُ يَطلُبُنـى
وَلي بَقايــا ذُنوبٍ لَسْتُ أَعْلَمُها **الله يَعْلَمُهــا في السِّرِ والعَلَنِ
مـَا أَحْلَمَ اللهَ عَني حَيْثُ أَمْهَلَني**وقَدْ تَمـادَيْتُ في ذَنْبي ويَسْتُرُنِي
تَمُرُّ سـاعـاتُ أَيّـَامي بِلا نَدَمٍ **ولا بُكاءٍ وَلاخَـوْفٍ ولا حـَزَنِ
أَنَـا الَّذِي أُغْلِقُ الأَبْوابَ مُجْتَهِداً**عَلى المعاصِي وَعَيْنُ اللهِ تَنْظُرُنـي
فَلا تَغُرَّنَّكَ الدُّنْيــا وَزِينَتُها **وانْظُرْ إلى فِعْلِهــا في الأَهْلِ والوَطَن
وانْظُرْ إِلى مَنْ حَوَى الدُّنْيا بِأَجْمَعِها**هَلْ رَاحَ مِنْها بِغَيْرِ الحَنْطِ والكَفَن
نعم أيها الإخوة مشاهد الموت تمر أمام أعيننا كل يوم ، بل كل ساع
ولكن قليل منا من يتعظ بتلك المشاهد .
ومن تؤثر فيه صورة النعش وقد حمل فيه الميت على الأعناق ليواروه في التراب .
قال تعالى :
وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ (34)
كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (35)