لاشك أن مصر تمر بفترة عصيبة وصعبة منذ ثورة يناير وحتى وقتنا الراهن، الاستقطاب يتزايد يوما تلو الآخر والاحتقان ينتشر بين المصريين بسرعه البرق، لاشك أن هناك ثنائيات كثيرة فرضت علينا بسبب هذا الاحتقان أبرز هذه الثنائيات المؤيد والمعارض ولكن فى مصر وبما أننا دولة حديثة العهد بالممارسات الديمقراطية ليس لدينا ثقافة الاختلاف فى الرأى واحترام الرأى الآخر فكل من يخالفنى الرأى إما أن يكون عميلا أو خائنا أوحتى صاحب أجندات خارجية ويا لها من كارثه حقيقة وكانت نتيجة الاستقطاب والاحتقان الشديدين ألا يمر يوم على مصر بدون دماء بدون تساقط ضحايا وأرواح بريئة قد تكون هذه الأرواح لا دخل لها بالعمل السياسى من قريب أو بعيد.
جاءت ثورة 30 يونيو لتعبر عن إرادة الشعب المصرى الذى أبهر العالم بخروجه على إثر دعوة شباب حركة تمرد ليطالب نظام الإخوان بالرحيل، إلا أن النظام أبى أن يستجيب لإرادة الشعب فتدخل العسكرى تلبية لنداء ورغبة الشعب الذى هو مصدر السلطات يعطيها من يشاء ويسلبها ممن يشاء، ومنذ ذلك الحين زاد الاحتقان فى الشارع المصرى إلى أن وصلنا إلى مجزرة الحرس الجمهورى وظهر معها التدنى الأخلاقى للكثير من المصريين لا أحد يسأل من مرتكب هذه الجريمة؟ ومن قتل؟ وماذا حدث؟ ولصالح من هذا؟ إلا أن الجميع يبحث عن أدلة وفيديوهات تؤيد وتدعم موقفه فالمعارض للإخوان يربط بين الواقعة وبين تصريحات قيادات الجماعة وتحريضهم فى الفترة السابقة والدعاوى المستمرة للاستشهاد فى سبيل الله، وكذلك تصريحات صفوت حجازى بأن هناك عمليات تصعيدية ضد كل شخص يريد أن ينتزع الشرعية من الرئيس مرسى و تصريحات البلتاجى بأن ما يحدث فى سيناء يمكن أن يتوقف بمجرد عودة الرئيس مرسى مرة أخرى إلى الحكم، وعلى الجانب الآخر نجد المؤيد للإخوان يحمل المجلس العسكرى وقياداته المجزرة وأنهم هم المتسببون فيها، اتهام من هنا واتهام من هناك والحقائق تغيب عن الجميع فالمؤيد يبحث عن مبررات لرأيه والمعارض يبحث عن أدلة تدعمه ومصر هى الخاسر الوحيد .
لا أعلم مدى قسوة هذا القلب الذى يقتل أبرياء لا دخل لهم فى السياسة ولا مصلحة حزبية لهم فالدم المصرى كله حرام مؤيد أو معارض.. إسلامى أو ليبرالى.. علمانى أو اشتراكى فجميعا مصريون أبناء وطن واحد لا ينبغى أن يؤدى خلافنا السياسى إلى صراع دموى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لأن تهدم الكعبة حجراً حجراً أهون عند الله من أن يراق دم امرئ مسلم".
ولكن كيف نخرج من هذا المأزق وكيف ننهى مسلسل الدم الذى لطالما انتظرنا حلقته الأخيرة، بكل تأكيد إن الدعوى لتراجع الجيش عن الانتخابات المبكرة واستبدالها بالاستفتاء ليست واردة وخصوصا أنك كيف ستعيد رئيس سابق فى ظل وجود رئيس مؤقت ؟ أصبح على الجميع من المخلصين أن يسعوا إلى وقف هذه الصراعات والتوصل إلى حوار يخدم مصر ويريح المصريين من هذه الدماء على الجميع أن يبادر بنبذ العنف وإنهاء حالة الاحتقان والاستقطاب بين المصريين، على الجميع أن ينظر إلى مستقبل مصر ويضعها نصب أعينه، لابد أيضا من عودة القنوات الدينية التى تم غلقها مع التأكيد على عدم استخدام هذه القنوات فى التحريض بشكل أو آخر، لابد أيضا من عمل مصالحة مع قيادات الجماعة وضمان واضح وصريح بعدم اعتقال أى شخص منهم ما لم يكن مدانا، لابد أيضا من احتواء جميع التيارات والأطراف السياسية فى المرحلة المقبلة وإشراك الجميع فى بناء مصر دون إقصاء لأحد.
هل هذه هى مصر الذى اعتدنا أن نحيا فيها، هل هذه هى مصر التى تمناها الجميع بعد ثورة يناير، الجميع مسئول عن هذه الحالة من الاحتقان والاستقطاب وإن لم تتوقف فمصر هى الخاسر لذا وجب التنويه.
لك الله يا مصر!