"مولاى إنى ببابك قد بسطت يدى.. من لى ألوذ به إلاك ياسندى".. هذه الكلمات النورانية التى امتزجت مع صوت قيثارة السماء الشيخ سيد النقشبندى، والذى يرتبط صوته وأعماله ارتباطا وثيقا بشهر رمضان..
النقشبندى الذى ولد عام 1920 وتوفى فى 1976، تسمع صوته فيرتجف قلبك حبا وخشوعا، تشعر أنك تحلق فى عالم آخر.. ينقلك إليه صوت كروان الإنشاد الدينى الذى وصفه الدكتور مصطفى محمود فى برنامج العلم والإيمان بأنه مثل النور الكريم الفريد الذى لم يصل إليه أحد.. فهو صاحب الصوت الخاشع العذب الذى يعيش بيننا حتى الآن، رغم وفاة صاحبه منذ 37 عاما، وسيظل كالذهب الذى تزداد قيمته كلما مرت عليه السنون، ليبقى هذا الابتهال الدينى الأكثر شهرة وأهمية من بين أعمال الشيخ النقشبندى المميزة، والذى يزيدنا إحساسا بروحانيات شهر رمضان الكريم.
"مولاى إنى ببابك".. كتب كلماتها الشاعر عبد الفتاح مصطفى.. وقد لا يعرف الكثيرون أن الموسيقار بليغ حمدى هو من قام بتلحين هذا الابتهال فى أول تعاون بينه وبين الشيخ سيد النقشبندى، وقد تتعجب إذا عرفت أن الفضل فى هذا التعاون والالتقاء بين العبقريتين النقشبندى وبليغ يرجع للرئيس الراحل أنور السادات، الذى بدأت علاقته فى وقت مبكر مع الشيخ سيد النقشبندى، حين كان رئيسا لمجلس الأمة وقبل أن يصبح رئيسا للجمهورية عن طريق الدكتور محمود جامع أحد أصدقاء السادات المقربين..
كان السادات عاشقا للإنشاد الدينى، وكان النقشبندى اكتسب شهرة واسعة فى سوهاج حيث عاشت أسرته، وفى طنطا التى انتقل إليها بعد رؤية رأى فيها السيد البدوى يناديه، فشد الرحال إلى جواره ولم يفارقه حتى بعد أن ملأ صوته الآفاق.
زادت شهرة النقشبندى بعد إحيائه عدة ليال فى الحسين بالقاهرة، حتى استمع إليه الإذاعى أحمد فراج، وكان أول دخول للنقشبندى للإذاعة المصرية عام 1967 ليسجل ابتهالات وأدعية دينية تبث بعد أذان المغرب فى رمضان، ويسجل عددا من البرامج، ليظل اسم النقشبندى وصوته مرتبطا ارتباطا وثيقا بشهر رمضان.
ولما كان الإنشاد الدينى فقرة أساسية يفتتح بها السادات كل احتفالاته فى ميت أبو الكوم قبل توليه الرئاسة، كان النقشبندى حاضرا فى كل هذه الاحتفالات، وكذلك بعد أن أصبح السادات رئيسا.
فى عام 1972 كان السادات يحتفل بخطبة إحدى بناته فى القناطر الخيرية، وكان النقشبندى موجودا فى الاحتفال، حيث كان له فقرة رئيسية فى الاحتفال الذى كان يحضره الملحن بليغ حمدى.
يحكى القاموس الإذاعى وجدى الحكيم عن هذه الواقعة، قائلا:" إن السادات قال لبليغ حمدى: " عاوز أسمعك مع النقشبندى "، وكلف الحكيم بفتح استديو الإذاعة لهما، وعندما سمع النقشبندى ذلك وافق محرجا وتحدث مع الحكيم بعدها قائلا: "ماينفعش أنشد على ألحان بليغ الراقصة"، حيث كان النقشبندى قد تعود على الابتهال بما يعرفه من المقامات الموسيقية، دون أن يكون هناك ملحن، وكان فى اعتقاد الشيخ أن اللحن سيفسد حالة الخشوع التى تصاحب الابتهال، ولذلك كان رد الشيخ: على آخر الزمن يا وجدى "هاغنى"؟ فى إشارة إلى أن الابتهال الملحن يجعل من الأنشودة الدينية أغنية.
طلب الشيخ الجليل من الحكيم الاعتذار لبليغ، ولكن استطاع الحكيم أن يقنعه بأن يستمع إلى ألحان بليغ، واصطحبه إلى استديو الإذاعة واتفق معه على أن يتركه مع بليغ لمدة نصف ساعة وأن تكون بينهما إشارة يعرف منها الحكيم إن كانت ألحان بليغ أعجبت النقشبندى أم لا.
يقول الحكيم: " اتفقنا أن أدخل عليهما بعد نصف ساعة فإذا وجدت النقشبندى خلع عمامته فإن هذا يعنى أنه أعجب بألحان بليغ وإن وجدته ما زال يرتديها فيعنى ذلك أنها لم تعجبه وأتحجج بأن هناك عطل فى الاستديو لأنهى اللقاء ونفكر بعدها فى كيفية الاعتذار لبليغ.، ويضحك وجدى الحكيم قائلا: دخلت فإذا بالنقشبندى قد خلع العمامة والجبة والقفطان. وقال لى: " ياوجدى بليغ ده جن ".
وفى هذا اللقاء انتهى بليغ من تلحين "مولاى انى ببابك" التى كانت بداية التعاون بين بليغ والنقشبندى، أسفر بعد ذلك عن أعمال وابتهالات عديدة هى أشرق المعصوم، اقول أمتى، أى سلوى وعزاء، أنغام الروح، رباه يا من أناجى، ربنا إنا جنودك، يارب أنا أمة، يا ليلة فى الدهر / ليلة القدر، دار الأرقم، إخوة الحق، أيها الساهر، ذكرى بدر.
وفى نفس هذا اللقاء الأول الذى نتج عنه تلحين أغنية
"مولاى" لحن بليغ للنقشبندى 5 ابتهالات أخرى ليكون حصيلة هذا اللقاء 6 ابتهالات، من بين مجموعة الابتهالات التى قدمها للنقشبندى، وكان بليغ هو من اختار كلمات هذه الابتهالات بالاتفاق مع الشاعر عبدالفتاح مصطفى، ولم يتقاض بليغ والنقشبندى أجرا عنها وأصبح ابتهال "مولاى " علامة من علامات الإذاعة المصرية فى رمضان وحتى بعد أن تراجع الإقبال على الإذاعة ظل ابتهال مولاى باقيا محققا مزيدا من الشهرة والمعجبين من كل الأعمار وسيبقى خالدا رغم فناء صانعوه.
رحم الله النقشبندى وبليغ وجزاهما خيرا عن هذا الابتهال الذى يلمس القلوب فيرققها ويقربها إلى باب الله.