إن انتشار التهاجر والتخاصم بين المسلمين من أخطر العوامل التي
تفتت المجتمع المسلم وتضعف قوته, لذا حذرنا النبي صلى اللّه عليه وسلّم منه أشد
التحذير. فتعال أخي الحبيب نستعرض هذا الداء الوبيل من خلال النقاط التالية:
- هل صلاة المخاصم تقبل عند
الله تعالى ؟
- ما عقوبة من هجر أخاه لمدة سنة؟
- هل الكبر علي أهل الكبر صدقة؟
- زميلي سليط اللسان وأنا أكرهه, فإذا تبسمت عند لقائه
وألقيت عليه السلام, هل أكون منافقا ذا وجهين؟
- صاحبي هو الذي أخطأ في حقي, فإذا بدأته بالصلح سيقول
الناس أنني ذليل و مهان!!!
- جاري هو الذي أخطأ في حقي, فالإثم عليه هو, ويجب عليه
أن يبدأ بالصلح, أما أنا فليس علي ذنب!!!
...................................
- هل صلاة المخاصم
تقبل عند الله تعالى ؟
روي مسلم عن
أبي هريرة-
رضي اللّه
عنه- أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلّم، قال: « تُعْرَضُ
الْأَعْمَالُ فِي كُلِّ يَوْمِ خَمِيسٍ وَاثْنَيْنِ، فَيَغْفِرُ اللهُ عَزَّ
وَجَلَّ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، لِكُلِّ امْرِئٍ لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا،
إِلَّا امْرَأً كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ: ارْكُوا (أي
أخروا) هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، ارْكُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا »
ولعل هذا من
أشد الأحاديث ترهيبا من الهجر, فالمسلم لما يعلم أن صلاته وصيامه وكل عمل صالح
يعمله يؤخر قبوله حتى ينهي الخصومة الدنيوية مع أخيه المسلم, فينبغي أن يكون هذا من أقوى الدوافع له لإنهاء الخصومة.
ويؤكد هذا
المعني ما رواه ابن ماجه عن ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه و
سلم قال:
« ثَلَاثَةٌ لَا تُرْفَعُ صَلَاتُهُمْ فَوْقَ رُءُوسِهِمْ شِبْرًا:
رَجُلٌ أَمَّ قَوْمًا وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ، وَامْرَأَةٌ بَاتَتْ وَزَوْجُهَا
عَلَيْهَا سَاخِطٌ، وَأَخَوَانِ مُتَصَارِمَانِ ( أي: متخاصمان) » (حسنه الإمام النووي في كتابه: خلاصة
الأحكام في مهمات السنن وقواعد الإسلام: 2/703)
- ما عقوبة من هجر أخاه لمدة
سنة؟
روي أبو داود
عن أبي خراش السلمي- رضي اللّه عنه- أنّه سمع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلّم يقول: « مَنْ هَجَرَ
أَخَاهُ سَنَةً فَهُوَ كَسَفْكِ دَمِهِ » (صححه العلامة الألباني في السلسلة
الصحيحة برقم:928)
- هل الكبر علي أهل الكبر
صدقة؟
كثير من
المسلمين يظنون هذه العبارة (الكبر علي أهل الكبر صدقة ) حديثاً صحيحا, وبالتالي
قد يهجر المسلم أخاه المتكبر – حسبما يراه – ولا يرى في ذلك أي غضاضة, بل يرى أنه
يتصرف متبعا لحديث صحيح فهو مأجور علي هذا الهجر, بينما لو رجعنا إلي أهل العلم
المعتبرين لعلمنا أنه حديث لا يثبت, كما نص علي ذلك العلامة ابن عاشور في تفسيره
التحرير والتنوير(24/51). وإنما ينبغي علينا أن نستشعر أن المتكبر عنده من المرض النفسي و
الهم الداخلي ما يحتاج معه إلي أن نصبر عليه, ونجتهد في دعوته إلي سبيل
المتواضعين, لعل الله أن يجعلنا سبباً في هدايته.
- زميلي سليط اللسان وأنا
أكرهه, فإذا تبسمت عند لقائه وألقيت عليه السلام, هل أكون منافقا ذا وجهين؟
عن عائشة رضي
الله عنها أنه أستأذن على النبي - صلى الله عليه وسلم - رجل فقال« إئذنوا له بئس
أخو العشيرة »
فلما دخل ألان
له الكلام فقلت له: يا رسول الله قلت ما قلت ثم ألنت له في القول، فقال: « أي عائشة: إن شر الناس
منزلة عند الله من تركه الناس اتقاء فحشه»
وعلق الحافظ
ابن حجر رحمه الله تعالى على هذا الحديث في الفتح (10/528) بقوله: " قال ابن بطال: المداراة من أخلاق المؤمنين
وهي خفض الجناح للناس وترك الإغلاظ لهم في القول وذلك من أقوى أسباب تأليف القلوب. وظن بعضهم أن
المداراة هي المداهنة فغلط، لأن المداراة مندوب إليها، والمداهنة محرمة... وفسرها
العلماء بأنها معاشرة الفاسق وإظهار الرضا بما هو فيه من غيرإنكار عليه "
فأنت عندما
تتبسم في وجهه وتلين له الكلام بنية تأليف قلبه,
مع الإنكار عليه بأسلوب حسن بكلمة طيبة أو محاضرة نافعة أو رسالة بالجوال
أو غير ذلك من وسائل الدعوة, فهذا أبدا ليس نفاقا, بعكس من يتبسم في وجه أخيه طمعا
فيما عنده من الدنيا.
أيضا تذكر أخي أن سلاطة اللسان داء, لكن علاجه غير
مستحيل, فاستعن بالله و لاتعجز, وكرر المحاولة ولا تيأس, و« لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير
لك من حمر النعم »
- صاحبي هو الذي أخطأ في
حقي, فإذا بدأته بالصلح سيقول الناس أنني ذليل و مهان!!!
روي مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى
الله عليه و سلم قال: « ما نقصت صدقة من مال وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا وما تواضع
أحد لله إلا رفعه الله » وواقع الناس ينطق بلسان الحال مصدقا لهذا الحديث, فتجد المسلم المتصف
بالعفو ذا مكانة بين الناس, ويجعل الله تعالى له في قلوب عباده ودا و إكباراً,
بعكس المسلم الشديد الخصام, الذي يحرص علي أن يحصل علي حقه كاملاً غير منقوص.
ثم إن الأصل أن المسلم ينهي
الخصومة طلباً لرضا الله تعالى, وخوفا علي عمله الصالح ألا يقبل عند الله, فإذا
كانت هذه نيته فلا يضره كلام الناس مهما قالوا.
- جاري هو الذي أخطأ في حقي,
فالإثم عليه هو, ويجب عليه أن يبدأ بالصلح, أما أنا فليس علي ذنب!!!
عن أبي أيّوب الأنصاريّ- رضي اللّه عنه- أنّ رسول اللّه
صلى اللّه عليه وسلّم قال: « لا يحلّ لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان فيعرض هذا
ويعرض هذا، وخيرهما الّذي يبدأ بالسّلام»
فلم يقل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلّم أن المخطيء يجب
عليه أن يبدأ بالسلام, ولكن قال( وخيرهما الّذي يبدأ بالسّلام) فكن أخي الحبيب خير الرجلين, ولا تعرض أعمالك الصالحة لعدم القبول عند
الله تعالى لأجل عرض من الدنيا قليل.
كما أذكرك أخي الحبيب أن أخاك الذي
تخاصمه غالبا ما يصور له الشيطان أنك أنت الذي أخطأت في حقه, وليس هو, فلا تدع
الفرصة للشيطان أن يتسلط عليكما, وبادر بإنهاء الخصومة بالتوجه إلي أخيك الذي تخاصمه, وإلقاء السلام عليه
بوجه بشوش وصدر منشرح, فإن قبل منك فذاك, وإلا فوسط طرفا ثالثا يتدخل بينكما
لتقريب وجهات النظر, وبعد إنهاء الخصام, أنت بالخيار: إن رغبت أن تستمر في مصاحبته
مع اجتهادك في تصحيح أخطائه فلك ذلك, وإن شعرت أن ذلك يصعب عليك ورغبت أن تقتصر في
علاقتك به على الحد الأدني من العلاقة بين المسلمين فلك ذلك. وإذا علم الله تعالى
صدق نيتك فسوف ييسر- سبحانه - كل عسير
( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا )
كتبه : أخوك المحب: أبوأنس