السلام عليكم ورحمة الله
لماذا نعم للتعديلات
نترقب كلمة الأغلبية يوم السبت بشأن التعديلات الدستورية بعد جدل مستفيض وكر وفر بين فريقين.. مؤيد ومعارض. كل له حججه وكل في النهاية يؤكد أنه لا يملك سوى الخضوع للأغلبية، رغم أن المعترضين حاولوا بكل قوة اجبار المجلس العسكري على الغاء الاستفتاء ومنع الاحتكام إلى الشعب.
وفي واقع الأمر يبدو ذلك التصرف انعكاسا لضعف الحجة واليقين. فقد برروا الرفض بالحاجة إلى دستور جديد، وهو ما حسمته التعديلات وجعلته وجوبا في المادة 189 مكرر بنص قاطع يقول "يجتمع الأعضاء غير المعينين لأول مجلسي شعب وشورى، تاليين لإعلان نتيجة الاستفتاء على تعديل الدستور، لاختيار الجمعية التأسيسية المنوط بها إعداد مشروع الدستور الجديد خلال ستة أشهر من انتخابهم".
هذه المادة المضافة تعني أن المواد المعدلة بمثابة "إعلان دستوري" يلغي ما تبقى من دستور 1971 ومنها صلاحيات رئيس الجمهورية الواسعة التي يحتج بها المعترضون، فلا يعقل أن تضاف مادة لاغية للدستور إذا لم تكن وجوبية بالفعل.
المثير للدهشة أنها وضعت حداً أقصى 6 شهور لاختيار اللجنة التأسيسية، ومع هذا يريد المعترضون دستورا جديدا بدون سقف زمني مع عدم ممانعتهم لحكم العسكر سنتين أو ثلاثاً، ومن تحرج منهم طالب بمجلس رئاسي مؤقت من ثلاثة أحدهم عسكري.
ما معنى هذه الحرب الشعواء إذا كان الدستور الجديد سيبدأ وضعه بعد ستة شهور فقط، وكيف يمكن أن يكون التفافا من فلول النظام المخلوع مع أنه سيكون برعاية مؤسسات منتخبة ورئيس منتخب ليس أمامه سوى الالتزام بالمادة 189 مكرر وإلا تصبح مخالفة دستورية تستوجب الاطاحة به، لأن عدم تفعيل المادة خلال المدة المنصوص عليها ينهي الإعلان الدستوري المؤقت، أو يعطل الدستور المعدل، فيترتب عليه خلو منصب رئيس الجمهورية وحل البرلمان.
نحن أمام جماعات مصالح تضغط بقوة لرفض التعديلات، فالأحزاب التقليدية التي لم تتعد شكل "الديكور" المجمل لنظام مبارك، تحارب الآن بشراسة بدعوى أنها غير مستعدة للانتخابات البرلمانية التي ستعقب التعديلات.
كيف تكون غير مستعدة وقد خاضت قبل شهور قليلة انتخابات مجلس الشعب السابق أمام قوة الحزب الوطني وهيمنته وآلة التزوير التي في يده وسلاحه الأمني؟!
المنطق يقول العكس تماما، لولا ادراكهم أنهم في مواجهة امتحان حقيقي لحجمهم في الشارع، لا سلطان عليهم سوى كلمة الصناديق الشفافة التي لا يملك أحد التدخل فيها كما كان يحدث سابقاً.
تصور ماذا يمكن أن يفيد الوقت الدكتور رفعت السعيد، هل له ولحزبه اليساري وجود في الشارع يجعله يثق في انتخابات شفافة في سبتمبر أو بعد 20 سنة؟!
رفعت السعيد وحزبه نسوا الزمن تماما، لم يسايروا تطور اليسار في منابعه الأصلية، حتى أنك تحسبهم خارجين من نومة كهف طويلة؟!
التحجج بالخوف من التفاف الحزب الوطني لا قيمة له، فقد سقط الحزب بسقوط رئيسه، كما سقط مورثه "حزب مصر" بمجرد اعلان رئيسه السادات تأسيسه للوطني. يومها كتب مصطفى أمين في جريدة "الأخبار" منتقدا هرولة أعضاء حزب مصر إلى الحزب الوطني جريا وراء الرئيس السادات الذي رد بهجوم عنيف على الكاتب الراحل.
المنطق نفسه يسري على "الوطني" الآن. بدون الرئيس مبارك لا قيمة له، فقد استمد هيمنته من السلطة، والآن صارت سلطته السابقة وبالا عليه.
نعم ستترشح أسماء انتمت سابقاً لذلك الحزب، لكنها ستقدم نفسها بصفة مستقلة، وقد حدث ذلك في انتخابات 2005 عندما حاز المستقلون الأكثرية، فضمهم "الوطني" بعصى وجزرة الدولة التي كان يحكمها.
تلك الأسماء تستمد قوتها من مناطقها العشائرية والقبلية والخدماتية أيضا، وهذا أمر تحتفظ به عائلات بعينها تتوارثه جيلا بعد جيل من أيام مجالس النواب في العهد الملكي، وسيظل مؤثرا ولو بعد قرن من الزمان، ولا عيب في ذلك ما دام يعبر عن واقع جغرافي وقبلي.
ويبقى الاحتجاج بالخوف من تأثير المال، وهو ليس جديدا على الانتخابات المصرية ولا يمكن علاجه بعد عامين أو ثلاثة، لأن الانتخابات النزيهة ممارسة تنتج مناخا صحيا سيلفظ حتما الرشى الانتخابية، فكيف يمكن بلوغ ذلك إذا احجمنا عن تلك الممارسة وأوقفناها؟!
خطورة رفض التعديلات لا تتوقف فقط عند العودة إلى المربع الأول باصدار إعلان دستوري يطيل أمد المجلس العسكري، إنما يحوله إلى مجلس حاكم لا يدير شئون الدولة فحسب.
هناك أخطار كثيرة إذا امتد حكم العسكر، أشرت إليها في مقال سابق، وضربت مثلا بأزمة مارس 1954، فالعسكر الذين كانوا زاهدين في الحكم انقلبوا خلال عام واحد، الى حكم ديكتاتوري مخابراتي بوليسي مستبد طال أمده بالتوريث بين ثلاثة رؤساء، جمال عبدالناصر وأنور السادات وحسني مبارك.
مشكلتنا أننا لا نقرأ التاريخ، أو أننا ننسى الماضي...
الكارثة أن امتداد الفترة الانتقالية والانشغال بالدستور وحده والحياة الاستثنائية التي نعيشها، يطيل أمد التظاهرات والاحتجاجات والمطالبات، وتتعطل في مواجهتها الأعمال والمشروعات والاستثمارات والسياحة، ويظل المصريون في الخارج مترددين في العودة لمواصلة ضخ تحويلاتهم إلى البنوك المصرية خوفا من انفجار اجتماعي متوقع بسبب الملفات الدستورية والقانونية العالقة وغياب نظام الحكم المدني.
مصر مطالبة بالعودة إلى دورها كقوة إقليمية كبرى، لكنها تجبر جبرا تحت تأثير الاحتجاجات المتواصلة والتظاهرات إلى الاعتماد الخارجي والاستدانة مع توقف الانتاج، وتوحش وانقضاض الفلول الداخلية والخارجية في ظل الفراغ الدستوري.
التصويت بنعم واجب وطني لاعادة الماكينة الاقتصادية والأمن وتحقيق مطالب الشعب في عيشة كريمة. الناس لن تأكل أو تطعم أطفالها دستورا، لكنه وثيقة إجتماعية تضمن الحرية والعدالة والأمان والاستقرار، وهذا يتحقق من خلال التعديلات الجوهرية التي تنهي الفترة الانتقالية في موعدها وتعيد القوات المسلحة إلى ثكناتها وتلغي حالة الطوارئ، وتمهد لدستور يتوافق عليه المجتمع برعاية المؤسسات المنتخبة.
توقيع العضو : medoelrawash |
|