المؤمن والكافر=== ودرر التفسير
الآية 8 {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ}
1- روى عن مجاهد قال
: نزلت أربع آيات من سورة البقرة في المؤمنين ، واثنتان في نعت الكافرين ، وثلاث عشرة في المنافقين.
وسبب تسمية المنافق منافق :
قال علماء اللغة :
إنما سمي المنافق منافقا لإظهاره غير ما يضمر ، تشبيها باليربوع ، له جحر يقال له : النافقاء ، وآخر يقال له : القاصعاء. وذلك أنه يخرق الأرض حتى إذا كاد يبلغ ظاهر الأرض أرق التراب ، فإذا رابه ريب دفع ذلك التراب برأسه فخرج ، فظاهر جحره تراب ، وباطنه حفر.
وكذلك المنافق ظاهره إيمان ، وباطنه كفر ، وقد تقدم هذا المعنى.
2- - واختلف النحاة في لفظ الناس ،
فقيل: أصله من نسي ، .
قال ابن عباس : نسي آدم عهد الله فسمي إنسانا.
وقال عليه السلام : " نسي آدم فنسيت ذريته" .صحيح
وفي التنزيل : {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ} [طه : 115]
3-- لما ذكر الله جل وتعالى المؤمنين أولا ، وبدأ بهم لشرفهم وفضلهم ، ذكر الكافرين في مقابلتهم ، إذ الكفر والإيمان طرفان.
ثم ذكر المنافقين بعدهم وألحقهم بالكافرين قبلهم ، لنفي الإيمان عنهم بقوله الحق : {وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} .
4-- قال علماؤنا رحمة الله عليهم :
1-المؤمن ضربان :
مؤمن يحبه الله ويواليه ، ومؤمن لا يحبه الله ولا يواليه ، بل يبغضه ويعاديه ، فكل من علم الله أنه يوافي بالإيمان ، فالله محب له ، موال له ، راض عنه. وكل من علم الله أنه يوافي بالكفر ، فالله مبغض له ، ساخط عليه ، معاد له ، لا لأجل إيمانه ، ولكن لكفره وضلاله الذي يوافي به.
2- والكافر ضربان :
كافر يعاقب لا محالة ، وكافر لا يعاقب. فالذي يعاقب هو الذي يوافي بالكفر ، فالله ساخط عليه معاد له. والذي لا يعاقب هو الموافي بالإيمان ، فالله غير ساخط على هذا ولا مبغض له ، بل محب له موال ، لا لكفره لكن لإيمانه الموافي به.: -
5-- فلا يجوز أن يطلق القول
بأن المؤمن يستحق الثواب ، والكافر يستحق العقاب ،
بل يجب تقييده بالموافاة ،
ولأجل هذا قلنا : إن الله راض عن عمر في الوقت الذي كان يعبد الأصنام ، ومريد لثوابه ودخوله الجنة ، لا لعبادته الصنم ، لكن لإيمانه الموافي به.
وإن الله تعالى ساخط على إبليس في حال عبادته ، لكفره الموافي به.
6-وخالفت القدرية في هذا وقالت :
إن الله لم يكن ساخطا على إبليس وقت عبادته ، ولا راضيا عن عمر وقت عبادته للصنم. وهذا فاسد ، لما ثبت أن الله سبحانه عالم بما يوافي به إبليس لعنه الله ، وبما يوافي به عمر رضي الله عنه فيما لم يزل ، فثبت أنه كان ساخطا على إبليس محبا لعمر.
ويدل عليه إجماع الأمة على أن الله سبحانه وتعالى غير محب لمن علم أنه من أهل النار ، بل هو ساخط عليه ، وأنه محب لمن علم أنه من أهل الجنة ،
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
وإنما الأعمال بالخواتيم" بخارى
7- ولهذا قال علماء :
ليس الإيمان ما يتزين به العبد قولا وفعلا ، لكن الإيمان جَرْيُ السعادة في سوابق الأزل ، وأما ظهوره على الهياكل فربما يكون عاريا ، وربما يكون حقيقة.
8-قلت :
هذا كما ثبت في صحيح مسلم وغيره عن عبد الله بن مسعود قال حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق :
"إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك ثم يرسل الله الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات يكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد فوالذي لا إله غيره
إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها" .