الأمن الغذائي
يعد الأمن الغذائي من الأمور الهامة التى يجب علينا الاهتمام بها فالغذاء مطلب أساسي للبشرية والكائنات الحية، التربة من أهم الموارد الطبيعية للإنسان، فهي قادرة على العطاء فقد استغلها الإنسان من قديم الزمان. انتقلت الجماعات البشرية الأولى فى العصر الحجرى (8 – 10 آلاف سنة ق.م) وعرف بالإنسان الميزولوتي من جمع الغذاء إلى انتاجه فى منطقة البحر الأبيض المتوسط. ويحتمل فى هذه الفترة ازدهار الزراعة فى هذه المنطقة ومن المرجح أن هذه الفترة قد وصلت فى أوربا حوالى 3000 ق.م، نتيجة الظروف المناخية الرطبة فى قارة اوربا حيث ساعدت على توفير متطلبات الإنسان بشكل طبيعى.
أشارت الدراسات التاريخية بأن الجماعات البشرية الأولى فى مصر وبلاد ما بين النهرين زرعت مناطق بعيدة عن ضفاف الأنهار ومع الدورات المناخية الجافة انتقلت إلى ضفاف الأنهار وقامت باستصلاح الأراضي والصيد خلال العصر الحجرى الحديث حوالى 5600 – 5500 ق.م، وقد رجح كثير من المؤرخين إلى سبب هدم الحضارات القديمة هو الإفراط فى استغلال التربة وتدهور خصوبتها وانخفاض قدرتها الإنتاجية سواء كانت تربة المراعى الطبيعية أو التربة الزراعية نفسها مما أدى إلى تصحرها وتدهورها فى المناطق الجافة وشبه الجافة والتى تشكل 89% من مساحة الوطن العربى.
ازدهار الزراعة فى العصر الحجرى الحديث
النظام البيئى
يتكون النظام البيئى من عدة عناصر مختلفة مناخية وأرضية وبيديولوجية وحيوية وبشرية، بشكل متوزان نتيجة لعمليات التفاعل والتكيف عبر مرحلة زمنية طويلة بين عناصر البيئة، وأي خلل فيما بين هذه العناصر يؤدي غلى تدهور النظام البيئي وذلك بالإفراط فى استغلال أو تغيير أي عنصر.
ويتيمز النظام البيئى فى الوطن العربي بالحساسية الشديدة بين مكوناته لأن أي خلل بين مكوناته الطبيعية سيؤدي إلى تدهور الخاصائص الطبيعية للتربة وانخفاض قدرتها الإنتاجية سواء كان الخلل ناجما عن الظروف الطبيعية مثل الجفاف ودرجات الحرارة والرطوبة أو النشاط البشري المباشر أو غير المباشر الغير ملائم. يشبه توزع البيئات الحالى فى المنطقة العربية عما كان سابقا منذ آلاف السنين ولكن مع الاختلاف فى مساحة البيئات الملائمة للزراعة وتدهورها نتيجة الجفافا والتصحر والاستغلال الجائر من قبل الإنسان.
قامت الحضارة الفينيقية في شرق المتوسط واعتمدت فى بناء أساطليها التجارية والبحرية بشكل كبير على الغابات الكثيفة وذلك باستخدام الأخشاب ومنتجاتها كسلع تجارية واستخدامها فى التجارة وادى ذلك إلى تقليص مساحة الغابات بشكل كبير.
وضع حمورابي (1738 – 1686 ق.م ) قوانين تنص على ترشيد استخدام المياه وتوزيعها وصيانة قنوات الري والحفاظ على خصوبة التربة دون إصابتها بالتملح. وأشارت دراسة إلى أن السبب الأكثر احتمالا لانهيار الزراعة المروية والحضارة البابلية في بلاد ما بين النهرين هو سوء إدارة الأراضى مما أدى إلى تملحها. وفى عام (1758 – 1689 ق.م) قام ديمسون بشق وإصلاح العديد من قنوات الري التي تصل بالخليج العربي لتخفيف الضغط على نهري دجلة والفرات ومقاومة الفيضانات، وتوفير المياه لاستصلاح أراضي جديدة قرب شاطئ الخليج.
حديقة بابل المعلقة من عجائب الحضارة البابلية
أدخلت طريقة الري بالأحواض فى مصر عام 3300 سنة ق.م، وتم شقت القنوات لري الأراضي الصحراوية وتوسيع المساحة الزراعية وأنشئت السدود لتخزين مياه الفيضانات مثل خزان بحيرة موريس والذي تم انشاؤه فى الدولة الوسطى. وفى قرطاجة والتي بناها الفينيقيون فى تونس عام 815 ق.م، تم استصلاح مساحات كبيرة من الأراضي الصحراوية ونقلت المياه إليها من قرطاج. تم إدخال أساليب زراعية وأنواعا نباتية ملائمة للبيئة واهتموا بصيانة التربة بإنشاء المدرجات الحجرية الملائمة للسفوح المنحدرة والأراضي الجبلية.
وفي اليمن تم انشاء سد مأرب بمملكة سبأ عام (800 ق.م)، واستخدمت مياه السد فى استصلاح الأراضي القاحلة حوله على جانبي وادي عبيدة وقد ورد ذكر ممكلة سبأ فى سورة خصها الله باسمها لما فيها من جمال طبيعتها وخيراتها الكثيرة (لقد كان لسبأ فى مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور) "سبأ:14".
سد مأرب باليمن
الغذاء فى خطر
أشارت احصائيات منظمة الأغذية والزراعة الدولية إلى أن مساحة الأراضي الصالحة للزراعة في العالم تقدر بحوالي 2.5 – 2,7 مليار هكتار يزرع منها 1,5 فقط. وتتعرض معظم مساحات الأراضي الزراعية في العالم إلى تناقص قدرتها الإنتاجية أو أنها لا تصلح للزراعة بمرور الوقت، حيث يفقد العالم سنويا مساحة قدرها 7 مليون هكتار وهي مساحة قادرة على إنتاج غذاء يكفي 21 مليون شخص، في حين يزداد سكان العالم مليون نسمة كل خمسة أيام وبالتالي تحدث فجوة فى الغذاء. يرجع السبب إلى عدم تعويض الخسارة نتيجة تطور الملوحة للتربة نتيجة سوء عمليات الري، وكذلك تلوث التربة والتوسع العمراني على حساب الأراضي الزراعية وه ما يقضي على 300 ألف هكتار يوميا فى العالم يوميا لإنشاء الطرق والمدن والمنشآت الصناعية والمدنية.
ظاهرة التصحر فى الوطن العربى
وفى الوطن العربي تبلغ مساحة الصحاري 68% ومساحة الأراضي الصالحة للزراعة 3,3% من المساحة الكلية، فالرقعة الزراعية محددة المساحة وتقع معظمها ضمن المناطق الجافة وشبه الجافة التي يكون توافر الماء هو العامل المحدد للإنتاج، ونتيجة لنقص المياه تقل الإنتاجية لهذه الأراضي. وعند إضافة عوامل أخرى مثل الزيادة السكنية وزيادة الطلب على المنتجات الزراعية.ومن النشاطات البشرية التى الحقت الأضرار بالبيئة الزراعية يمكن حصرها فى الآتي:
إزالة الغطاء النباتي نتيجة قطع النبات وحرقها والعري الجائر والاحتطاب فى مناطق فى مناطق المراعي الطبيعية.
عدم الاهتمام بالدورة الزراعية وتدنى خصوبة التربة.
ملوحة التربة لسوء عمليات الري والصرف وبالتالي نقص المساحات المزروعة كما هو الحال فى سوريا والعراق ومصر.
التلوث الكيميائي للتربة الزراعية نتيجة مخلفات المصانع والأسمدة والعناصر الثقيلة والمشعة مما يؤدي لتولث التربة والمحاصيل الزراعية.
فالأرض كنز ثمين وأغلى ما نملك فى حياتنا فهي مصدر للغذاء والدواء والكساء وكل ما تنتجه التربة الزراعية مفيد للبشرية كلها والدواب والأنعام وعلينا أن نتذكر قول الله تعالى (ظهر الفساد فى البر والبحر بما كسبت أيدى الناس) فعلينا أن نحافظ على التربة وعلى الأراضى الزراعية ونسعى إلى استصلاح المزيد من الأراضى.
توقيع العضو : Amr Alagamy |
|