"من همم الكبار"
مضى معنا - في الحلقة الماضية - حديث حول علوِّ الهمة، وعظيم فائدته في بلوغ أشرف الأمور، وعدم الرضا بخسيسها وسفسافها، ونودُّ اليوم أن نعرفَ - إن شاء الله -
بعض النماذج من هِمَم الكبار، الذين مضوا، فتركوا بصماتهم في جبين التاريخ، تكتب بسيرهم الملاحم، ويستضيء بهممهم الراغبون في الفوز بخيري الدنيا والآخرة.
وسوف ترى من خلال قصصهم العجيبة أنك أمام قوم لا نكاد نمتُّ إليهم بصلة، إلا بأسمائنا، وأنسابنا، وبعض عاداتنا؛ ولكنَّها سنَّة الله في خَلْقه، أن جعل منهم رجالاً مؤهَّلين لِحَمْل لواء دعوته، والدِّفاع عنها بالغالي والنفيس؛ يُصَدِّقُ ذلك قولُ الرسول - صلى الله عليه وسلم -:
((لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورين، لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله - عز وجل))
متفق عليه.
فهذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صاحبُ أعلى همة في الوجود، يقول عنه عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه -: نام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على حصير، فقام وقد أَثَّرَ في جنْبِه
قلنا: يا رسول الله، لو اتخذنا لك وطاء
فقال: ((ما لي وللدنيا، ما أنا في الدُّنيا إلا كراكبٍ استظلَّ تحت شجرة، ثم راح وتركها))[1]
نعم، إنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي عَلَّم صحابته كيف تُهْتبل الأوقات، وتُستغلُّ الخلوات
فكان هو وصحابته أَمَنَةً لنا وأمنا.
فَتَشَبَّهُوا إِنْ لَمْ تَكُونُوا مِثْلَهُمْ إِنَّ التَّشَبُّهَ بِالكِرَامِ فَلاحُ
|
- يمتحن النبي - صلى الله عليه وسلم - الصحابةَ الكرام؛ ليعرف أعلاهم همة، فيسألهم قائلاً:
((مَن أصبح منكم اليوم صائمًا؟))
قال أبو بكر - رضي الله عنه -: أنا
قال: ((فمَن تبع منكم اليوم جنازة؟))
قال أبو بكر - رضي الله عنه -: أنا
قال: ((فمَن أطعم منكم اليوم مسكينًا؟))
قال أبو بكر - رضي الله عنه -: أنا
قال: ((فمَن عاد منكم اليوم مريضًا؟))
قال أبو بكر - رضي الله عنه -: أنا
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
((ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة))[2]
ولذلك صدق فيه قول النبي - صلى الله عليه وسلم -:
((لو كنت متخذًا خليلاً، لاتَّخَذت أبا بكر خليلاً، ولكنه أخي وصاحبي))
متفق عليه.
وَإِذَا كَانَتِ النُّفُوسُ كِبَارًا تَعِبَتْ فِي مُرَادِهَا الأَجْسَامُ
|
- وهذا أبو هريرة، كان رجلاً فقيرًا مُعدَمًا، وظيفته خدمة النبي - صلى الله عليه وسلم -
وأجرته أن يملأ بطنه، قال:
"كنتُ امرأ مسكينًا ألزم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على مِلْءِ بطني"
متفق عليه
وكان يقول: "آلله الذي لا إله إلا هو، إن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع، وإن كنتُ لأشد الحَجَر على بطني من الجوع"؛ البخاري، ويقول الناس: مجنون، وما بي إلا الجوع
كان باستطاعته أن يسأل الرسول - صلى الله عليه وسلم -
أن يدعوَ الله له أن يُعطَى شيئًا منَ الدنيا، ولكن سؤاله كان قوله:
"يا رسول الله، إنِّي سمعتُ منك حديثًا كثيرًا فأنساه، قال له النبي - صلى الله عليه وسلم -:
((ابسط رداءك))، فبسطتُه، فغرف بيديه فيه ثم قال: ((ضُمَّه))، فضممتُه، فما نسيتُ حديثًا بعدُ"؛ البخاري.
ولذلك استحق أن يكون أروى الصحابة لحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال عنه الإمام الشافعي: "أبو هريرة أحفظ من روى الحديث في دهره"، وقال عنه البخاري: "روى عن أبي هريرة نحو ثمانمائة أو أكثر من الصحابة والتابعين وأهل العلم".
لهذا كان أبو هريرة سبَّاقًا إلى السؤال عن مصيره في الآخرة
فقال: يا رسول الله، مَن أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
((لقد ظننت - يا أبا هريرة - ألا يسألني عن هذا الحديثَ أحدٌ أَوَّلُ منك، لما رأيتُ من حرصك على الحديث، أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة، مَن قال: لا إله إلا الله خالصًا من قلبه))
توقيع العضو : MODY۞MODA |
لمراسلة الادارة بأمور خاصة لا يشاهدها غير الادارة من هنا لوضع اى شكوى خاصة بمنتدانا الحبيب من هنا لتقديم الاقتراحات البنائه بهدف تطوير منتدانا الحبيب من هنا لمتابعة قوانين المنتدى |