( التسول )
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــ
( أما بعد : فيا عباد الله )
التَّسوُّل وما أدراكم ما التَّسوُّل ؟
التَّسوُّل : هو محل حديثنا في هذا اليوم ، المتسول – عباد الله – " هو من يعيش على سؤال الناس أموالهم ، ويتخذ ذلك حرفة وعملا ومصدرا لرزقه "
والتسول – عباد الله – حكمه في شرع الله " أنه حرام إلا إذا دعت الضرورة الملحة إلى ذلك ، لم هو حرام ؟
لأسباب ثلاثة : السبب الأول
أن في التسول نوعاً من إظهار الشكوى من الله ، إذ أظهر هذا الإنسان فقره الذي ابتلاه الله عز وجل به .
السبب الثاني
أن هذا المتسول يذل نفسه لغير الله عز وجل ، ولا يجوز للمسلم أن يعرض نفسه للهوان .
السبب الثالث
أن التسول فيه إيذاء للمسلمين ، فإن المسؤول قد يدفع هذا المال بعد إلحاح من هذا المتسول ، أو قد يصدر من هؤلاء المتسولين من الأذى للمسلمين في مساجدهم بقطع أذكارهم ودعائهم بعد كل صلاة .
وما ورد من آيات منها قوله تعالى :
{ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ }البقرة177.
وكذا قوله تعالى :
{وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ }الذاريات19.
فإنما تحمل على " من نزلت به ضرورة ملحة ، فجاز له السؤال "
مع أن عدم السؤال له مع ضرورته من المقامات العليا له .
الله جل وعلا أثنى على عباده المؤمنين :
{لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء } لم ؟{ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً }البقرة273.
والنبي صلى الله عليه وسلم قال كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه :
( ليس المسكين بهذا الطوَّاف الذي يطوف بالناس ، فترده اللقمة واللقمتان ، والتمرة والتمرتان ، قالوا يا رسول الله : فما المسكين إذاً ؟ )
لا شك أن هذا مسكين !
قال صلى الله عليه وسلم مبيِّنا حقيقة المسكنة وحقيقة الفقر :
( قال : هو الذي لا يجد غنى يغنيه ، ولا يُفْطَن له فيتصدقَ عليه ، ولا يسأل الناس شيئا )
والنبي صلى الله عليه وسلم حذَّر من هذا التسول ، فقال صلى الله عليه وسلم كما عند الطبراني :
( استغنوا عن الناس ولو بشوص من السواك )
بل إن على المسلم متى ما احتاج أن يتعرض لزرق الله عز وجل .
" عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه :
لما أتى مهاجرا من مكة إلى المدينة وليس معه دينار ولا درهم ولا متاع ، فقال له سعد بن الربيع خذ نصف مالي ، واختر أي زوجاتي تحب فأطلقها فتتزوجها ، فقال بارك الله لك في أهلك ومالك ، دلني على السوق ، فما خرج منه إلا وقد أتى برزق ، حتى كان يقول – كما ذكر ذلك ابن كثير في البداية :
" والله لو رفعت حجرا لرجوت من الله أن أصيب تحته درهما أو دينارا "
والنبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث ابن عمر رضي الله عنهما كما في الصحيحين قال :
( لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله وليس في وجهه مزعة لحم )
ونحن في مثل هذه العصور ابتلينا بهذه الظاهرة ، ولاسيما في المساجد ، فإنه لا يمر وقت من أوقات الصلوات إلا ويظهر واحدٌ أو اثنان فيسألون الناس أموالهم ، مع ما يترتب على ذلك من إزعاج المصلين ، ومن إيذائهم في أذكارهم وفي خشوعهم .
والنبي صلى الله عليه وسلم فصَّل وبيَّن ووضَّح ما يجوز من المسألة وما لا يجوز منها ، قبيصة بن مخارق الهلالي – كما عند مسلم – أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله : ( إني تحملت حَمَالة )
الحمالة : هو ما يدفعه الشخص من مال لكي يصلح بين طرفين أو بين قبيلتين ، فأجهضت هذه الحمالة على ماله .
( فقال يا رسول الله إني تحملت حمالة ، فقال عليه الصلاة والسلام : قم حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها .
ثم قال : يا قبيصة ، اعلم أن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة " رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك .
ورجل اجتاحت ماله جائحة فحلت له المسألة حتى يصيب قِواما من عيش - أو قال - سدادا من عيش .
أو رجل أصابته فاقة ) يعني فقر ( حتى يقوم ثلاثة من ذوي الحجا ) يعني من أهل العقول والرأي ( فيقولون إن فلانا أصابته جائحة فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش – أو قال – سدادا من عيش ، ثم قال يا قبيصة : وما سواهن من المسألة سحتاً يأكلها صاحبها سحتاً )
وليعلم ذلك المتسول الذي اتخذ التسول حرفة له أنه لن يهنأ بهذا المال ، لم ؟
لأن من فتح على نفسه باب السؤال فتح الله عز وجل عليه أبواب الفقر ، عند الترمذي من حديث أبي كبشة الأنماري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم في ضمن حديثه الطويل قال :
( وما فتح عبدٌ باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر )
وليعلم أن المال محبوب لدى النفوس ، فما ظنكم إذا وصل إلى الإنسان بدون تعب أو عناء أو شقاء ؟!
عند مسلم قال حكيم رضي الله عنه :
( سألت النبي صلى الله عليه وسلم فأعطاني ، ثم سألته فأعطاني ، ثم سألته فأعطاني ، فقال صلى الله عليه وسلم " يا حكيم إن هذا المال حلوة خضرة "
لا شك أن النفوس تنجذب إليه ، حلو من حيث الباطن ، من حيث اشتياق النفس ، و
( خضرة ) لأن الإنسان يحب أن يرى المال وأن يقلِّبه ، قال :
( إن هذا المال حلوة خضرة ، فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه ، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه ) محل الشاهد ( وكان كالذي يأكل ولا يشبع )
والنبي صلى الله عليه وسلم حجَّم هذا الباب وسدَّه حتى لا يكثر في المجتمع ، لما عاد سعدَ بن أبي وقاص رضي الله عنه في مرضه – كما في الصحيحين – أراد سعد أن يتصدق بماله كله ، أو بثلثي ماله أو بنصف ماله ، كما جاء في الحديث ، قال صلى الله عليه وسلم : ( الثلث ، والثلث كثير ) موضع الشاهد : ( إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس )
بل إنه صلى الله عليه وسلم بايع أصحابه المبايعة العامة ، وبايع بعضا منهم مبايعة خاصة ، في صحيح مسلم عن عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه أنه قال :
( كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم تسعة ، أو ثمانية ، أو سبعة ، ثم قال : ألا تبايعونني ؟ - وكنا حديث عهد ببيعة –
قلنا يا رسول الله : لقد بايعناك ، فقال ألا تبايعونني ؟
قالوا يا رسول الله : قد بايعناك ، فعلى أن شيء نبايعك ؟
فقال صلى الله عليه وسلم : على أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا ، وتقيموا الصلاة – وأسرَّ كلمة خفية – ألا تسألوا الناس شيئا )
قال عوف رضي الله عنه ( فلقد رأيت بعض أولئك النفر يسقط سوط أحدهم فما يسأل أحداً أن يناوله إياه )
وهذه بيعة عامة فيها خصوصية ، وهناك بيعة ثالثة فيها خصوصية الخصوصية ، في مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود عن ثوبان رضي الله عنه :
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(من يتكفل لي ألا يسأل الناس شيئا وأتكفل له بالجنة ؟ فقال ثوبان أنا يا رسول الله ، فكان ثوبان لا يسأل الناس شيئا )
نسأل الله عز وجل أن يغنينا بحلاله عن حرامه ، وبفضله عمن سواه .
توقيع العضو : مجدي الصلاحي |
|