عن عمر ناهز الـ95 عاما, توقفت حياة الرجل الأكثر تأثيرا في تاريخ جنوب إفريقيا بصفة خاصة والعالم بصفة عامة, بعد ان نجح في توحيد بلاد قوس قزح واستئصال التمييز العنصري الذي قتل الحياة والاستقرار في جنوب القارة السمراء.
الطفل المشاغب أو روليهلاهلا هو الاسم الأصلي لمانديلا قبل أن يطلق عليه معلمه بالمدرسة الابتدائية اسم نيلسون وفقا للممارسة الشائعة في جنوب إفريقيا, إذ يطلق علي الشخص اسم انجليزي ليسهل نطقه علي الأجانب.
أشكال النضال عند مانديلا لم تكن مقتصرة علي المنابر السياسية فقط, بل استغل الرياضة ليقرب بين أبناء الشعب الواحد ونجح في جعل( السود) يعشقون الرجبي رياضة( البيض), و(البيض) يعشقون كرة القدم رياضة( السود), إذ أن نظام التمييز العنصري في بلاد اقوس قزحب امتد ليشمل الفصل بين الجماهير في الملاعب, فهؤلاء جمهور الرجبي والآخرون جمهور كرة القدم.
في عام1995 أي بعد عام من انتخاب نيلسون مانديلا رئيسا للبلاد, فازت جنوب إفريقيا ببطولة العالم للرجبي علي حساب منتخب نيوزيلندا(15-12) وقدم مانديلا رسالة سلام لأبناء بلاده بعد أن ارتدي قميص قائد المنتخب فرانسوا بينار وعليه الرقم الذي سجن به طيلة27 عاما في فترة التمييز العنصري(46664), وقدم مانديلا الكأس لبينار في حركة جلبت( السود) للعبة, وباتت ملاعب هذه اللعبة في جنوب إفريقيا مفتوحة للجميع دون وجود حواجز عنصرية, فالملهم والقدوة مد يده لأبناء بلده من( البيض) وتبعه الجميع فتعززت الوحدة الوطنية التي لطالما كان يحلم بها.
في العام التالي نظمت جنوب إفريقيا كأس أمم إفريقيا لكرة القدم, وأتيحت للزعيم فرصة أخري ليبعث برسالة جديدة للبلد الذي بدأ يجد سبيله نحو السلام, إذ توج منتخب بافانا بافانا باللقب الإفريقي علي حساب المنتخب التونسي بالفوز عليه بهدفين نظيفين, وفاجأ مانديلا الجميع بارتداء قميص اللاعب الأبيض نيل توفي قائد المنتخب آنذاك, وقدم له رمز البطولة الذي كان حدثا مهما في البلاد, لكن الأهم هو الوحدة الوطنية التي تجلت في نهائي1996 الذي انصهر فيه( البيض والسود) تحت راية جنوب إفريقيا.
وقال الزعيم يومها: اكرة القدم والرجبي والكريكيت وغيرها من الرياضات لديها القدرة علي تضميد الجراح.
عشق مانديلا رياضة الفن النبيل الملاكمة, إذ كان الرئيس الأسبق لجنوب إفريقيا شديد الإعجاب برياضة الأقوياء فانسحبت القوة والإصرار والشجاعة التي تميز الملاكمة علي شخصيته فاكتسب روح القيادة وتبني استراتيجية الهجوم علي أعداء المساواة والتسامح والدفاع عن أنصار الديمقراطية والحرية في جنوب افريقيا.. عشق مانديلا لهذه الرياضة كان ملهما لأساطيرها, إذ أحبه الكثير من الملاكمين وأبرزهم الملاكم الأمريكي الأسطورة محمد علي كلاي, وذهب بعض الملاكمين العالميين إلي إهداء مانديلا بطولاتهم اعترافا منهم بفضل هذا الرجل في الحد من معضلة العنصرية التي مازالت إلي اليوم تسجل حضورها في بعض الأماكن من العالم رغم أن الجميع تبني فكرة مانديلا في محاربتها واستئصالها بين الشعوب.
رغم نضالاته السياسية والاجتماعية, لم يغفل زعيم جنوب إفريقيا عن دور الرياضة في زرع مبادئ الوحدة الوطنية بين أبناء الشعب الواحد, واستغلها ليزيل الجدار العنصري القاسي الذي مزق بلاده وحجب عنها نور السلام والتسامح, فكانت كما انتظرها جسرا لعبور شعبه من نفق التمييز العنصري إلي أفق القيم الإنسانية النبيلة.
من أشهر أقوال مانديلا الرياضة لها سلطة تغيير العالم, سلطة الوحي وسلطة توحيد الناس. الرياضة تخلق الأمل في مكان لا يوجد فيه إلا اليأس, إنها أقوي من الحكومات في إسقاط الحواجز العنصرية.
ويعود الفضل لتنظيم جنوب أفريقيا لمونديال2010 إلي هذا الزعيم الأسطوري الذي يقدره الجميع عبر العالم والذي كان يتمني الكثير فقط برؤيته وإلقاء التحية عليه.. وكان يحلم بان تنظم بلاده ايضا الاوليمبياد ولكن القدر لم يمهله ليترك وراءه سجلا حافلا من الانجازات علي كافة المستويات.