لم تكن تجاربه كغيره أهم منه, أو تتفوق حتي علي الكاريزما التي يتمتع بها, لأنه تحول من مجرد شاعر إلي حالة مصرية أصيلة, لم تنجح الأنظمة السياسية في استقطابه.
عاش حتي شاهد ثورة25 يناير التي يراها الثورة الحقيقية التي ظل يحلم بها طوال عمره إذ كانت له وجهة نظر في كل الثورات السابقة لخلافاته مع الأنظمة, فجاءت ثورة25 يناير ليخرج أحمد فؤاد نجم إلي الشارع ويهتف مع الشارع ويغني للشارع ويضبط إيقاع كلماته علي هتافات الثوار.
لم يتاجر بشعره, ولم يذهب به إلي مطرب أو ملحن وقد يكون موقفه المعلن مع أم كلثوم هو الشعار الذي كلما فكر اأحدهم في الإقتراب من شعره تذكره, لأن نجم لا يجامل أحدا, وإلا لجامل أم كلثوم التي كان كل شعراء مصر والعالم العربي يتمنون أن تغني لهم قصائدهم.. لكنه وبعد موقف شعر فيه إن' كلب الست' أهم من الإنسان, هاجم نجم أم كلثوم في قصيدة عرفت باسم' كلب الست', رغم أنه كان من عشاقها, وقال الكثير عن أغنياتها.
وكانت القصيدة تعليقا علي واقعة حدثت من' كلبها' الذي يحرس الفيلا الخاصة بها, بعد علم' نجم' أن' الكلب' هاجم طالبا فقيرا مر بالخطأ أمام الفيلا فعقر ساقه, ولأن النيابة حفظت التحقيق فقد استفذ' نجم' وكتب' كلب الست'.
ظل' نجم' حالة خاصة غير مكترث بأن يغني له كبار المطربين لأنه لم يكن من رجال أي من الأنظمة فكان بعض المطربين يخشون الإقتراب من شعره الذي كان منفذه الوحيد والأهم هو صوت' الشيخ إمام' الذي غني كل أعماله أنذاك.
وسيظل التاريخ يسطر هذه العلاقة التي لم تبني علي مصلحة سوي حب الوطن, علاقة وإن كانت قد تعرضت في فترة ما إلي توتر لكنها هي الأكثر إثارة وأهمية في تاريخ كل منهما.
علاقة' نجم' بالشيخ إمام أتاحت له فرصة توصيل شعره وأفكاره بسرعة فقد كانت الأغنيات تنتشر بسرعة بين الناس خاصة تلك التي يندد بها بأفعال الأنظمة السياسية
وتعود هذه العلاقة إلي تاريخ طويل منذ بداية الخمسينات, عندما انتقل' نجم' للعيش في حارة' حوش آدم' وأصبحا ثنائيا معروفا وأصبحت الحارة ملتقي المثقفين.
قال' نجم' عن إمام إنه' أول موسيقي تم حبسه في المعتقلات من أجل موسيقاه وإذا كان الشعر يمكن فهم معناه فهل اكتشف هؤلاء أن موسيقي- إمام- تسبهم وتفضحهم'.
وقد انفصل هذا الثنائي بعد فترة واتهم' الشيخ إمام' قرينه' أحمد فؤاد' بأنه كان يحب الزعامة وفرض الرأي وأنه حصد الشهرة بفضله ولولاه ما كان' نجم'.
ويري أحمد فؤاد نجم أن العامية أهم شعر عند المصريين لأنهم شعب متكلم فصيح وأن العامية المصرية أكبر من أن تكون لهجة وأكبر من أن تكون لغة, فالعامية المصرية روح وهي من وجهة نظره أهم إنجاز حضاري للشعب المصري.
لم تكن علاقته بكل المطربين أو الموسيقيين نابعة من منفعة بل هو يحب الصوت الذي يري فيه شيئا يطربه, دافع عن عبد الحليم حافظ ولم يخلوا لقاء تليفزيوني أو صحفي إلا وتحدث عنه رغم ما عرف عن عدم غناءه له وقال فيه: نجم': إنه أي عبد الحليم كان معه في الملجأ لكنه عندما اشتهر تنكر له.. ويبدو أن هناك سرا ما كان يحول دون اقترابه هو وأم كلثوم من أشعاره مجاملة لعبد الناصر ثم السادات وما عرف من انتقاد لاذع من نجم للرئيسين وسجن أكثر من مرة بسبب هذه الانتقادات.
من سجن القناطر كان يبدع كلماته وكانت تخرج وكأنها طلقات رصاص تصل سريعا إلي الشارع, ولم يكن كل شعره منصبا علي السياسة بل في حب الوطن حتي الشعر الرومانسي كان في حب مصر فقد كتب وهو في سجن القناطر1971 كلمات تعبر عن مدي حب هذا الشاعر لمصر وللناس البسطاء قال في قصيدة' يا حبايبنا':
يا حبايبنا.. فين.. وحشتونا.. لسه فاكرينا.. ولا نسيتونا.. دا حنا في الغربه.. م الهوي دبنا.. وأنتو في الغربه.. اوعوا تفكروا.. إننا تبنا.. مهما فرقونا.. ولا بعدونا.. يا حبايبنا.
كلماته ببساطتها تصل إلي حتي الأطفال وهو السر في قرب الثوار له والتفافهم حوله, فهو لم يكن في قمقم كغيره من الشعراء بل كان ظاهرة شعبية, إن قال شعرا حفظه الناس لأنهم يجدون فيه المعني الذي يتمنون أن يقولوه, وإن كتب أغنية وصلت بسرعة بل وتتحول إلي حالة رومانسية جميلة كما حدث في أغنيته التي قدمها محمد الحلو والشيخ سعيد وهي' يا حبيبي كان زمان' والتي تقول كلماتها:
' يا حبيبي كان زمان, طلعة الورد بأوان
بعد ما بان ورد خدك والله والربيع طول الزمان
يا نعيمي لما هلت شمس نورك ع الليالي
نورتلي, صورتلي, جنة أجمل من خيالي
يا غزالي وانت خالي, شوف جرالي ما جرالي
غصب عني رحت أغني, واشتكيت للورد حالي
وما قدم من أغنيات عن أشعار' نجم' لا يتجاوز10 في المئة مما كتبه, وستكون أعماله في السنوات المقبلة منبعا لمعظم الأغنيات المهمة لأنها لم تكتشف بعد, وما قدم هو ما لمع من خلال الفضائيات, ولأنه لم يكتب لأحد خصيصا فمن سمع' جالك قلب' أو' حاحا' سارع ليغنيها, لكنه لم يمسك قلما ليكتب إن هذه الكلمات لمطرب بعينه حتي' البحر غضبان' التي غناها منير, فلم يحصل علي جوائز من الدولة بسبب تهمة أنه' شاعر تكدير السلم العام' والتي كان يراها' جملة' شرفية إذا كانت ضد الأنظمة والديكتاتورية.. فهو مسنود بحائط كبير هو الشعب جلس مع كل المصريين من الحارة للقصور لكنه لم يغتر وظل فوق السطوح يغرد والناس تسمع تترات مسلسلاته ساهمت في نجاحها فلا يمكن أن ينسي أحد تترات مسلسل' أبو العلا البشري90' و'زيزينيا' أو مسلسل' آدم' الذي قال فيه' أنا ابن صابرة الصبارة.. شمس الزمان النواره' ثم' حضرة المتهم أبي' وعشرات التترات التي نجحت بها المسلسلات.
لم تكن أعماله أشهر منه حتي عندما قدم عنه فيلم' الفاجومي' لم يحقق الفيلم نجاحا لأن' نجم' هو الأكثر أهمية, والأشهر وهو موجود في الشارع ومع الناس فلماذا فيلم؟ وهو موجود ومن هنا لم ينجح خالد الصاوي في توصيله للمشاهدين وقد يلقي الفيلم رواجا فيما بعد مع الأجيال التي ستعيد اكتشاف أحمد فؤاد نجم من جديد.