كان هذا السؤال يشغلني كثيرا علي الرغم من مواقف علنية أبدتها الدبلوماسية السودانية لم تعترض فيها علي هذا التطور في مصر وإسراع وزير الخارجية نبيل فهمي بزيارة الخرطوم ثم جوبا في أول تحرك له عقب توليه منصبه.
وقد تهيأت فرصة لي لطرح السؤال علي الدكتور علي كرتي وزير الخارجية السوداني الذي قابلته علي هامش القمة العربية الافريقية التي عقدت مؤخرا بالكويت وبادرته علي الفور بطرح هواجسي فيما يتعلق بطبيعة العلاقات بين القاهرة والخرطوم الآن فسارع بدوره التأكيد علي جملة من الحقائق, أولاها: ليس ثمة غموض أو فتور في علاقات الدولتين, لقد جري حوار جدي داخل القيادة السودانية بعد أحداث الثلاثين من يونيو وطرح خلال هذا الحوارتساؤل:هل ما يجري في مصر يعني السودان الي حد أن يتدخل في مجرياته؟ ولكن بعدالتشاوروالدراسة كان هناك قرار واضح للغاية من الحكومة أن ما جري ويجري شأن مصري داخلي يهم المصريين فقط ولاعلاقة للسودان به, فإذا قام المصريون بتغيير نظام الحكم بالطريقة التي يرونها فذلك لايعني السودان, إنه يعني الشعب المصري فقط وأن ما يهمنا هو الحكومة المصرية, الوضع القائم, البلد الذي لايجب أن تنفصم عري العلاقات معها بأي حال من الأحوال, ومن ثم فإن السودان لم يتدخل في شأن مصر علي الإطلاق.
ثانيتها: هناك دول كثيرة لها رأي فيما جري في مصر ونحن لم نمل إليها وقلنا إن ما جري في مصر أمر يخص المصريين وهم فقط لهم الحق في تقرير مصيرهم وتقرير مستقبلهم ولوأن أحدا في السودان أراد أن يتدخل في هذا الأمر فإنه بذلك يكون قد تجني علي الشعب المصري لأن مصر من جهتها لم تتدخل في شأن السودان من قبل فحينما تمت تغييرات فيه سواء أكانت بصورة شعبية أو بصورة عسكرية لم تتدخل, لأنها كانت تدرك أنها أمر يخص السودان ولو تدخلت مصر في شئوننا لقلنا إنه من الواجب علينا أن نتدخل الآن في شئونها وقد اختارت مصر أن يكون شأن السودان من شأن السودانيين منذ الاستقلال فلماذا يفرض علينا أن نتدخل في شئون مصر؟, ونقولأنمايجري فيها يعجبنا ولايعجبنا ونحدد لها ما يجب ومالايجب عليها فعله بينما جوهر الأشياء هو أن ما يجري في مصر لايجب أن يعجب أو يغضب أحدا سوي المصريين وحدهم فإذا كان يريدون التغيير أوالبقاء علي ما كانوا عليه ويحافظون علي وضعهم فذلك من شأنهم فقط وليس من حق السودانيين والسودان لايطالب بأكثر من هذا وبالتالي لماذا نطالب بأن نخرج الي الشارع للتعبير عن فرحتناأو عن عدم ارتياحنا وغضبنا تجاه ما جري ونقول إن ما حدث غير مقبول للسودان. وهنا سألت الدكتور علي كرتي: لكن لم نلاحظ زيارات سودانية علي مستوي رفيع للقاهرة خلال الأشهر الماضية ؟ قال: زار القاهرة خلال الفترة التي أعقبت الثلاثين من يونيو من حاولوا التدخل من أجل الوساطة ونحن لم نطرح أنفسنا للتدخل كوسطاء, واعتقد أن الشعب المصري يعرف بعضه بعضا بصورة حميمية ومن ثم ولاحاجة لوساطة خارجية وعندما جاء الأمريكيون والأوروبيون وبعض العرب كان رأي السودان أن هذا أمر لايهم سوي المصريين وفي يقيني هم أعقل من أن تتدخل بينهم أطراف خارجية ولاشك أن هذا يحسب لصالح السودان وليس ضدها, ومع ذلك أقول إنني التقيت بوزير الخارجية نبيل فهمي في الكويت علي هامش القمة العربية الافريقية كما التقيت به في نيويورك في سبتمبر الماضي, و الأهم من ذلك أنني أول التقيت به في الخرطوم عندما زارها في أول جولة خارجية له بعد التشكيل الحكومي الجديد في مصر.قلت للدكتور كرتي: هل قرأت رسالة معينة في أن يكون أول تحرك خارجي لوزير الخارجية المصري للخرطوم؟ قال: بالتأكيد فقد كان يهمه استمرار العلاقات والتعاون المشترك واستمرار المصالح لذلك ناقشنا وسائل وسبل الإبقاء عليها وتفعيلها وقد بحثنا العديد من القضايا في صدارتها فتح المعابر ومياه النيل.
وهل كان من بين هذه القضايا الحريات الأربع وهي اتفاقيات تتعلق بتسيرات ضخمة علي صعيد الدخول والعمل والتملك والإقامة بين البلدين والتي لم تفعل حتي الآن بالرغم من التوقيع عليها خلال نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك ؟ أوضح: بالنسبة للحريات الأربع من ناحيتنا الأمر يعنينا أكثر وليس هناك حجر عليها ولكننا ندرك أن مصر تمر بظروف غير عادية لذلك لم نطالب بضرورة تطبيق الحريات الأربع, فهناك معطيات أمنية وهناك مسائل تحتاج الي صبر ولذلك صبرنا حتي علي ماكنا في حاجة اليه فوزير الخارجية جاء الي الخرطوم وتحدث في قضايا التعاون المشترك ولو كان هناك أي شك بأن السودان بعد الثلاثين من يونيو ليس لديه رغبة في استمرار التعاون لتوقفت حتي اجتماعات وزراء الري والتي احتضنتها الخرطوم خلال الشهر الماضي وزار وزير الري السوداني القاهرة قبل أيام ووثمة تحرك للأمام وهنالك فجوة كبيرة كانت بين مصر وأثيوبيا السودان لعب دورا محوريا في محاولة تجاوزها وبشهادة وزير الخارجية المصري عندما التقيته علي هامش القمة العربية الافريقية بالكويت الذي قال أن دور السودان في هذا الصدد هو التقريب بين وجهتي نظر البلدين وسيستمر السودان في هذا الاتجاه لأننا مصلحتنا واحدة في أن تتحد رؤانا وأن نقترب من المشروعات الكبري بصورة ليس فيها مثل هذا الخلاف الكبير.
سألته: تردد في أروقة القمة العربية الأفريقية أن الكويت ستلعب دورا بصفتها رئيس القمة لمحاولة التقريب بين وجهات النظر فيما يتعلق بسد النهضة الأثيوبي واتفاقية عنتيبي فماالذي تم التوصل اليه في هذا الشأن ؟ قال:ليس لدي معلومات حول ما تقوله وهو لم يطرح في أي لقاء ولااعتقد أن هذا الملف يحتاج الي طرف خارجي, صدقني فكما قلت أن ما يجري في مصر ليس في حاجة الي أطراف خارجية, لذلك رؤيتنا واضحة بأنه بمزيد من الصبر ومزيد من الحوار يمكن تجاوز هذه الإشكاليات.