الوضع في ألمانيا علي وجه الخصوص يفصح عن أن الإخوان المسلمين قد أحرزوا نفوذا مهما وقبولا سياسيا, أكثر من أي مكان آخر في أوروبا. والتنظيمات الإسلامية في البلدان الأوروبية الأخري تقتدي الآن بشكل واع بنموذج نظيراتها الألمانية. سبب اخر ميز ألمانيا عن غيرها لدي الإخوان يوضحه خالد دوران الخبير في شئون الإرهاب في دراسته عن الجهادية في أوروبا أن حكومة ألمانيا الغربية قررت قطع علاقاتها الدبلوماسية مع البلدان التي اعترفت بألمانيا الشرقية. وعندما أقامت كل من مصر وسوريا علاقات دبلوماسية مع الحكومة الشيوعية, قررت بون استضافة اللاجئين السياسيين المصريين والسوريين. وغالبا ما كان هؤلاء المنشقون إسلاميين.
وبربط الماضي بالحاضر نجد ان لعبة السياسة في ألمانيا قد ساهمت بشكل كبير في هذا الالتباس الشائك في علاقاتها بمصر عندما حرصت ميركل وائتلافها المسيحي الديمقراطي علي اقتناص هذه الفرصة خلال الانتخابات البرلمانية التي جرت في22 سبتمبر الماضي واستخدمت ورقة الإخوان المسلمين كي تثبت للناخبين الألمان ان ألمانيا تدافع عن قيم الديمقراطية من حرية التظاهر, وعدم استخدام القوة المفرطة ضدهم, وأنها لاتؤيد الانقلابات العسكرية في اي دولة وهو ما سار علي نهجه الحزب الاشتراكي الديمقراطي الذي رشح بيير شتيانبروك في الانتخابات البرلمانية منافسا أمام ميركل والذي طالب بمزيد من الضغوط الاقتصادية علي الحكومة المصرية, هذه الأجواء خلقت مناخا خصبا للتشويش علي حقيقة ماحدث ويحدث في مصر أمام المواطن الألماني وكافة المقيمين هناك من مختلف الجنسيات وهو ما استغله أنصار الرئيس المعزول في الترويج علي ان ماحدث كان انقلابا وليس ثورة شعبية, بينما يذهب بعض الباحثين إلي ان الإخوان المسلمين وان كان عددهم لايزيد علي3 آلاف إلا أنهم يمثلون ثاني اكبر استثمارات في ألمانيا هم والجالية التركية التي يبلغ عددها400 ألف مهاجر وربما هذا مايفسر سر حرية الحركة التي يتمتع بها أنصار الإخوان المسلمين في ألمانيا ودعواتهم للتجمع لنصرة الرئيس مرسي وتحريضهم علي الجيش المصري والثورة في المساجد وهو ما بدا واضحا بعد فض اعتصامي رابعة والنهضة من ان معظم المساجد والزوايا والمراكز الإسلامية خاصة تلك التي يديرها أتراك منحت حرية مطلقة في توزيع منشورات مؤيدة للدكتور محمد مرسي ودعوات للتحريض علي التظاهر أمام قنصلية وسفارة مصر في ألمانيا والتجمع في اكبر الميادين في كل المدن الألمانية رافعين شعارات رابعة وصور الرئيس مرسي يدعمهم في ذلك الجالية التركية وبعض العرب المنخدعين بشعاراتهم.
وبشكل عام فإن الحكومة الألمانية ترغب في ان تنشغل تلك الجماعات بلعبة السياسة في بلادهم بعيدا عنها خوفا من عودة الهجمات الإرهابية علي أراضيها. ماسبق يثير عدة تساؤلات حول أسباب الموقف الألماني من ثورة30 يوليو يأتي في مقدمتها
هل تناست الحكومة الألمانية انه في18 مايو2004 قد صرح وزير الداخلية آنذاك اوتو شيللي بان الإرهاب الإسلامي هو الخطر رقم واحد علي المجتمع الألماني وان جماعة الإخوان المسلمين تشكل خطر كبير لقدرتها علي التأثير في الشباب المسلم في ألمانيا؟
هل نجحت جماعة الإخوان المسلمين في خداع الحكومة الألمانية عن طريق اردوغان عندما أكد لهم ان الجماعة أهم بكثير من القاهرة؟
د.أحمد حسني الوزير المفوض التجاري المصري في ألمانيا أكد أن حجم الاستثمارات الألمانية لا يتناسب مع حجم الاستثمارات الأجنبية الموجودة في مصر وحجم الاقتصاد الألماني.. حيث تحتل ألمانيا المركز الـ18 بين الدول المستثمرة في مصر, وأن حجم الاستثمارات الألمانية في مصر بلغ1,525 مليون دولار استثمارات داخلية ومناطق حرة في المواد الكيماوية والسيارات والاتصالات والحديد والصلب في مقابل1,46 مليون دولار استثمارات مصرية في ألمانيا في قطاع البنوك والسياحة والفنادق والدواء وخدمات استشارية.
أما الواردات من ألمانيا فتتركز علي الماكينات والمعدات ومستلزمات التصنيع والسيارات والمركبات وقطع غيار السيارات والخامات الدوائية ومنتجات وخامات كيماوية ومولدات كهربائية ومنتجات بلاستيكية ومنتجات حديد وصلب وأجهزة طبية ودهانات وبويات ومنتجات ألبان.
الموقف الألماني لم يقف عند هذا الحد بل وصل الي التحريض وقلب الحقائق عندما انتقد روبرشت بولينز رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الألماني موقف الاتحاد الأوروبي من ثورة30 يونيو قائلا ان محمد مرسي مهما بدر منة من أخطاء فهو رئيس منتخب قد حصل علي اغلبيه أصوات الشعب المصري عقب الانتخابات التي شهد القاصي والداني بنزاهتها وشفافيتها.
إضافة لإصرار فيستر فيله وزير خارجيتها عند مقابلة نظيره المصري نبيل فهمي علي هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك علي الإلحاح بان ألمانيا تطلب إعادة إدماج جماعة الإخوان المسلمين في العملية السياسية وتمادي فيله عندما وصف ما اسماه بالقمع العنيف لاحتجاجات المؤيدين لمرسي علي يد القوات المصرية بالهزيمة الدبلوماسية وأكمل بأن ذلك من الممكن ان يتحول الي خلية جرثومية لإرهاب جديد في العالم.
الموقف الألماني تجاه مصر خلق حالة من الغضب والاستهجان علي كافة المستويات المصرية خاصة تلك المتصلة بالشأن الألماني حيث ارسال د. رضا شتا رئيس جمعية الصداقة المصرية ــ الألمانية خطابا شديد اللهجة للمستشارة أنجيلا ميركل أكد فيه ان أعضاء الجمعية وغالبية الشعب المصري يشعرون بقلق بالغ وشديد من ان تؤدي سياسة الحكومة الألمانية التي تتسم بعدم الموضوعية وتجاهل الواقع حسب وصفة الي الإضرار الجسيم بالعلاقات الجيدة والمتميزة التي تربط الشعبين وتقوم علي الثقة والاحترام المتبادل وعدم التدخل في شئون الآخر, ووصف هذا الموقف بأنة يفتقر الي وضوح الرؤية وغياب المعلومات الصحيحة تجاه مايجري في مصر وهو بلا شك قصور من الأجهزة المعلوماتية والدبلوماسية التي كان يجب ان تقدم المعلومات الصحيحة والصادقة لمتخذي القرارالالمان وقال: نحن هنا لايمكن ان نستبعد سوء النوايا وسوء القصد من قبل هذه الأجهزة.
والأمر لم يقتصر علي ذلك اذ عبر خريجو المدارس الألمانية بمصر عن استنكارهم لهذا الموقف المشين برسالة مفتوحة لميركل وصفو موقف حكومتها بالمنحاز الي جماعة الإخوان الفاشية مع تذكيرها ان هذا التصرف يتنافي تماما مع قيم وتقاليد وأخلاقيات الشعب الألماني التي تعلموها من أساتذتهم الألمان والمصريين.
وقالوا إذا ما كنتم تعتقدون أن الرئيس المعزول مرسي هو أول رئيس مصري منتخب ومن حقه استكمال مدته الرئاسية وتتجاهلون في هذا الصدد الرغبة العارمة لشعب مصر الذي خرج في03 يونيو الماضي في مختلف شوارع وميادين مصر مطالبا بضرورة رحيل هذا الرئيس الدكتاتور وإنهاء حكم الإخوان المسلمين. وتعتبرون ذلك وللأسف الشديد انقلابا عسكريا يتعارض مع المبادئ الديمقراطية هنا يحق لنا نحن المعجبون والمنبهرون بإنجازات الشعب الألماني في مجال النظم الديمقراطية والمنظمات المجتمعية أن نؤكد لكم آسفين أنكم قد أهنتم الشعب المصري.
كما نؤكد لكم, أن جيش مصر العظيم قد استجاب لرغبة الشعب المصري الواضحة والمؤكدة للتخلص من الحكم الفاشي للإخوان الذي يتخفي وراء عباءة الدين.
وفي ختام الخطاب تساءل الخريجون: ألم يصل هتلر إلي الحكم عن طريق الديمقراطية أي من خلال الصندوق كما يدعون, وهل لم يكن من الممكن والأفضل أن تتفادي ألمانيا والعالم كله تلك المصائب والآلام والأهوال التي خلفها الحكم الدكتاتوري النازي لو أن الشعب الألماني تمرد في الوقت المناسب علي حكمه وقام بإزاحته عندما تبين له حقيقة هذا النظام الفاشي, لقد قام مرسي بتفصيل دستور خاص علي مقاسه هو وجماعته وانتزع به سلطات الدولة الثلاث وكذلك قيادة الجيش, كما أقصي كل القوي السياسية الأخري وحرمها من المشاركة في إدارة البلاد, وقام بتمكين الآلاف من عناصر الإخوان من التحكم في مفاصل الدولة المختلفة.
والسؤال الذي يطرح نفسه بشدة ما العلاقة بين الإخوان وألمانيا ؟
منذ ستينيات القرن الماضي, انتقل أعضاء من حزب الأخوان المسلمين والمتعاطفين معهم إلي أوروبا وأسسوا ببطء و ثبات شبكة واسعة وجيدة التنظيم من المساجد, والجمعيات الخيرية والمنظمات الإسلامية. وبخلاف المجتمع الإسلامي الكبير, قد لا تكون الغاية النهائية للإخوان المسلمين هي مساعدة المسلمين لكي يحققوا أفضل مواطنة يقدرون عليها, الأحري أن غايتهم هي نشر الشريعة الإسلامية في أوروبا والولايات المتحدة.
الحصيلة هي أربعة عقود من التعليم والتثقيف. الطلبة اللاجئون, الذين هاجروا من الشرق الأوسط قبل أربعين عاما, وذريتهم يقودون تنظيمات تمثل المجتمعات المسلمة المحلية في تعاملها مع النخبة السياسية الأوروبية.