إذا تأمل العبد ساعات يومه، ومدى انعكاس أحداثها على نفسيته سلباً أو إيجاباً؛ يجد أن حالته النفسية تختلف اختلافاً جذرياً بين اليوم الذي يبدأه بالاستيقاظ في الثلث الأخير من الليل؛ ليفوز ولو بركعتين من قيام الليل، ثم يذهب لصلاة الفجر في جماعة، ثم يرجع لاهج اللسان بأذكار الصباح، مجرياً لنفسه أتقن وأرقى عملية غسيل للذنوب (بإذن الله) خلال تلك السويعات القليلة، ليبدأ يومه نشيط النفس، طاهر القلب، طيب الوجدان!!
وبين أن يستيقظ من شدة حرارة الشمس بعد طلوعها؛ ليفرغ أذنيه من خبيث بول الشيطان الذي ملأها؛ بعدما استغرق في نوم غفلة طويل؛ حتى فاحت رائحته على النفس خمولاً وكسلاً، وضعفاً ووهناً، وضيقاً وكرباً؛ فيبدأ يومه عبوس الوجه، منقبض الروح، خبيث النفس!!
إذاً فالبداية تكون من عند العبد الذي يحدد مسار ساعات أيامه، حزناً وفرحاً، هماً وفرجاً، ضيقاً وسعةً، وكذا كل أحوال حياته بناءً على مدى قربه أو بعده من الله تعالى!! (فكلَّما كان العبد من الله أقرب؛ كان به أسعد) وهذه المعادلة البسيطة؛ تلخص حياة العبد كلها، فمن أدركها وصاغ أيام حياته بناءَ على قاعدتها البسيطة، صار أسعد الناس حظاً، حتى ولو رأه الناس في الظاهر عكس ذلك، فمعيار السعادة والشقاء، لا يُكال أبداً إلا بمعيار قرب القلوب أو بعدها من الله تعالى!!
ومن هنا سيقال للعبد يوم القيامة : (اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا) ومن أجل ذلك؛ سيوجه له السؤال بين يدي ربه : ( أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا؟) وبناء على ذلك؛ ستخرس الألسنة وتطنق الجوارح!!
إن خطوات مسيرنا إلى الله تعالى؛ بها من الوحشة ما لا يؤنسها إلا ذكر الله!! وبها من الكسر ما لا يجبره إلا طاعة الله!! وبها من الغفلة ما لا يذهبها إلا ذكر الموت وهول الوقوف بين يدي الله!!
فسددوا وقاربوا؛ واجعلوا من أيامكم حجة لكم بين يدي ربكم!! واصنعوا بقرباتكم حاجزاً بينكم وبين سوء مآلكم!! واعلموا أن أسباب السعادة والشقاء؛ إنما هي بأيديكم، ومن صنيع أعمالكم، فانهلوا من أسباب السعادة ما يغمر دنياكم وآخرتكم، وإياكم والانزلاق في مستنقع الشقاء بغفلتكم عن لقاء ربكم!!
فإنما هي أيام معدودة، نراوح لحظاتها بأيدينا
بين أسباب السعادة والشقاء!!