الانفاق فى سبيل الله (رحلة البحث عن اليقين)!!!
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
الإنفاق في سبيل الله من أبرز علامات الموقنين، وأجدى وسائل قياس منسوبه في القلب، ذلك أنك حين تنفق مالك تشتري به الجنة؛ وهي غيب لم تره، جاءك خبرها على لسان رسول كريم؛ وهو أيضًا غيب لم تره، ومبعوث لك من إله جليل لكنك أيضًا لم تره، ومع ذلك آمنت وأيقنت، وصدق فعلك قولك، وأثبتَّ إيمانك وثقلَّت ميزانك بإخراجك مالك، لتقدِّم بذلك الدليل الظاهر على صدق الإيمان الباطن؛ لذا كان الحسن البصري كثيرًا ما يقول:
«من أيقن بالخلف جاد بالعطية» .
يستحث الناس بذلك على البذل في سبيل الله وإيثار ما عند الله وشراء موعود الله، فإن لم تُجْد معك كلماته ولم تؤثر فيك، فعسى أن يكون في مواقف عبد الله بن عمر الدواء الناجع والأثر المبين.
بلغ من يقين عبد الله بن عمربثواب الله وحسن جزائه أنه كان إذا اشتد إعجابه بشيء من ماله قرَّبه لله عز وجل، وكان يمتلك جارية، فلما اشتد إعجابه بها أعتقها وزوَّجها مولى له!!
قال مولاه نافع: «وكان عبيده يعرفون ذلك منه، فربما شمَّر أحدهم فيلزم المسجد، فإذا رآه ابن عمر على هذه الحال الحسنة أعتقه، فيقول أصحابه: يا أبا عبد الرحمن .. والله ما بهم إلا أن يخدعوك!! فيقول ابن عمر: فمن خدعنا لله انخدعنا له» .
ما كان يبتدع أو يسلك مسلكًا غريبًا أو يؤلف نهجًا غير نهج النبوة، بل يقتفي الأثر شبرًا بشبر، وذراعًا بذراع كما قالت عائشة رضي الله عنها:
«ما رأيت أحدًا ألزم للأمر الأول من ابن عمر» .
هل قرأت رسائله؟!
والله لطيف جواد كريم يبعث برسائله المشجِّعة إلى عباده المنفقين تغريهم بالبذل وتدفعهم إليه دفعًا.
الصحابي الجليل سعيد بن العاص أحد أجود أهل الحجاز الثلاثة، وهو الذي كان إذا سأله سائل فلم يكن عنده ما يعطيه له قال: «اكتب عليَّ سجلا إلى أيام يُسري » .
هذا الصحابي الجليل لما عوتب في كثرة العطاء، برَّر ذلك بقوله:
« إن الله تعالى عوَّدني أن يتفضَّل عليَّ، وعوَّدته أن أتفضَّل على عباده، فأخاف إن قطعت أن يقطع » .
ولماذا أسوق لكم نماذج القرن الأول الهجري؟! وأنا بين يدي أخ فاضل يعيش بين أظهرنا جعل على نفسه أن يُخرِج ثلث راتبه كل شهر لفلسطين، وكان راتبه ألفين من الجنيهات، فأبدله الله بذلك عملا بضعف راتبه الأول، واستمر على عادته هذه سنة كاملة، فكان أن كافأه الله بعمل راتبه اثني عشر ألف جنيه، واستمر إلى الآن وما قطع عادته هذه، وما قطع الله عنه الزيادة، وما زال العرض ساريًا !! ومن أراد منكم أن يجرِّب فليتقدم!!
بين نومنا ويقظته!!
عن ابن مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري قال: جاء رجل بناقة مخطومة إلى النبي (ص)، فقال: هذه في سبيل الله، فقال رسول الله (ص):
«لك بها يوم القيامة سبعمائة ناقة كلها مخطومة» .
قال الإمام النووي : «معنى مخطومة أي فيها خطام وهو قريب من الزمام، ويُحتمل أن المراد له أجر سبعمائة ناقة، ويُحتمل أن يكون على ظاهره: أي يكون له في الجنة بها سبعمائة، كل واحدة منهن مخطومة يركبهن حيث شاء للتنزه، وهذا الاحتمال أظهر» .
ومن روائع قصص اليقين وعجائب أعلام الموقنين المتعلِّقة بهذا الحديث المغري قصة شيخ الإسلام، وعالم زمانه وأمير الأتقياء في وقته، الحافظ الغازي الإمام عبد الله بن المبارك الذي حكى عنه الإمام القرطبي في تذكرته أنه خرج إلى غزو، فرأى رجلاً حزينًا قد مات فرسه، فبقي محزونًا، فقال له: بعني إياه بأربعمائة درهم، ففعل الرجل ذلك أي باعه له، فرأى الرجل من ليلته في المنام كأن القيامة قد قامت وفرسه في الجنة وخلفه سبعمائة فرس، فأراد أن يأخذه فنودي أن دعه فإنه لابن المبارك، وقد كان لك بالأمس، فلما أصبح جاء إلى ابن المبارك وطلب منه الإقالة أي أن يرُدَّ إليه فرسه، فقال له: ولم؟ قال: فقصَّ عليه القصة، فقال له:
اذهب فما رأيته في المنام رأيناه في اليقظة!! .
وما هذا إلا لعلو درجته في سلم اليقين وشدة ثقته بما عند الله، حتى بزغت شمس الغيب في فؤاده، وسطع نور الثواب عليه فهو يراه بعينيه ويلمسه بكلتا يديه، فمتى وصولنا إلى ما وصل إليه ابن المبارك؟! متى؟!