فروا إلى الله
ان الله الحكيم،بث في الكون الكثير من العظات والعبر،فتنبه لها أولو القلوب الحية وثاقب البصر،وغفل عنها من شُغل بشهواته وهواه فما اعتبر،والحمده لله بانه تكفل بالزيادة لمن شكر،
الكل يعلم ان الدنيا زائلة وإن النقلة منها قريبة فلاتغرنكم بزخرفها وما فيها حذركم من ذلك ربكم إذ يقول
:{ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ }
اخوتي في الله يعيش المرء في هذه الدنيا يبني ويعلي البناء،يأكل ويتفنن في أنواع الطعام والشراب يركب المراكب ويتنعم بالملابس،كلما مضى يوم من عمره تجدد له أمل ونسي أنه لا بد من خاتمة لهذه الدنيا وما يدري بما يختم له؟ ما يدري أن الأعمال بالخواتيم ؟
أخرج البخاري في صحيحه عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ نَظَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى رَجُلٍ يُقَاتِلُ الْمُشْرِكِينَ وَكَانَ مِنْ أَعْظَمِ الْمُسْلِمِينَ غَنَاءً عَنْهُمْ فَقَالَ ((مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا)) فَتَبِعَهُ رَجُلٌ فَلَمْ يَزَلْ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى جُرِحَ فَاسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ فَقَالَ بِذُبَابَةِ سَيْفِهِ فَوَضَعَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ فَتَحَامَلَ عَلَيْهِ حَتَّى خَرَجَ مِنْ بَيْنِ كَتِفَيْهِ
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(( إِنَّ الْعَبْدَ لَيَعْمَلُ فِيمَا يَرَى النَّاسُ عَمَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَإِنَّهُ لَمِنْ أَهْلِ النَّارِ وَيَعْمَلُ فِيمَا يَرَى النَّاسُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَإِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِخَوَاتِيمِهَا))
الأعمال بالخواتيم هذا ما كان يقلق الصالحين فكان يخاف أحدهم بما يختم له فهذا سفيان كان يبكي ويقول أخاف أن أكون في أم الكتاب شقياً،ويقول أخاف أن أسلب الإيمان عند الموت،
وكان مالك بن دينار يقوم طول ليله قابضاً على لحيته ويقول يا رب قد علمت ساكن الجنة من ساكن النار ففي أي الدارين منزل مالك؟
فما أشد خسارة من أمضى في هذه الدنيا عشرين عاماً أو أربعين عاماً أو أكثر أو أقل ثم يُختم له بخاتمة السوء ، وكم من الناس من غرته الدنيا وغرته الشهرة وغره المال وغره السلطان وغره كثرة السفهاء من حوله فأدمن المعاصي حتى كأنه لن يموت فأخذه الله بغتة بسوء خاتمة وهو على معصية لرب الأرض والسموات يقول الجبار العظيم :{ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ}
يقول الإمام ابن كثير في تفسير الآية: (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا أي أعرضوا عنه وتناسوه وجعلوه وراء ظهورهم فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ أي فتحنا عليهم أبواب الرزق من كل ما يختارون وهذا استدراج منه تعالى وإملاء لهم أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً أي غفلة فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ أي آيسون من كل خير ..يقول الحسن البصري مُكر بالقوم ورب الكعبة أعطوا حاجتهم ثم أخذوا..وقال قتادة بغت القوم أمر الله وما أخذ الله قوماً قط إلا عند سكرتهم وغرتهم ونعمتهم فلا تعتروا بالله فلا يغتر بالله إلا القوم الفاسقون)
وكم من عبد بارز الله بالكفر أو الذنوب والمعاصي فأخذه الله على سوء خاتمة وجعله عبرة للمعتبرين فهذا فرعون اغتر بدنياه وبملكه وسلطانه وعسكره وصولجانه فأغرقه الله في اليم وهو في قمة نشوته وخلد قصته في آيات تتلى إلي يوم القيامة :{ كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمْ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ}
وهذا قارون أغتر بماله وكنوزه فخسف الله به وبداره الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة أخذه بذنبه من لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء وقال في ذلك:{ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنْ المُنْتَصِرِينَ}
لكني أحبتي أحذر هنا من مدخل للشيطان عظيم حيث يسول للعبد الاستمرار على المنكرات ويوعده بأن الله سيرحمه بعد الممات على أساس أنه من أمة محمد وأن أمة محمد صلى الله عليه وسلم مرحومة ونحو هذا الكلام،فأقول احذر أخي فإنك باستمرارك على معصية الله تكون مغضباً لله ولو استوى في هذا الجانب الطائع والعاصي لما كان هناك داع للطاعة ولعمل الجميع بالمعصية عملاً بما يسوله لك الخبيث
إني بهذه الكلمات اقيم عليكم الحجة و أناشدكم كل عبد مقيم على معصية الله أن يقلع عنها شفقة عليه من قبل أن يختم له لا سمح الله بخاتمة السوء فأقول لآكل الربا وكاتبه تب قبل أن تموت وأنت في وكر من أوكار الربا،إلى مدمني الغناء أقول لهم توبوا واعتبروا قبل أن تحضركم ساعة الموت فتخونكم ألسنتكم عن شهادة التوحيد،إلى مدمني المخدرات إلى أهل الزنا والمعاكسات،إلى أهل القنوات إلى كل مذنب ومذنبة أقول فروا إلى الله فروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين