في ظل انتشار مراكز وعيادات جراحات التجميل, تحفل سجلات الفتوي بدار الإفتاء والجامع الأزهر, بكثير من التساؤلات حول مشروعية إجراء عمليات التجميل, التي لم تعد وقفا علي النساء دون الرجال كما كان في الماضي.
ورغم أنها تلقي هجوما شديدا من قبل علماء الدين إلا أن عمليات التجميل لم تعد وقفا علي شفط الدهون أو شد الوجه أو تحسين شكل الأنف أو زرع الشعر, وباتت تستقطب الكثير من الرجال بعد أن استقطبت عددا كبيرا من النساء.
وما زالت عمليات التجميل تثير جدلا كبيرا بين الذين يرونها ضرورة لعلاج عيوب ولادية وبين من يرونها تغييرا لخلق الله الذي خلق الإنسان في أحسن تقويم, ومنهم من أجاز بمقدار الضرورة التي تخرج بعض الحالات من قصد تغيير خلق الله.
وأجاز علماء الدين إجراء عمليات التجميل للضرورة الملحة, مع شرط عدم تغيير خلق الله, واشترطوا لذلك شروطا بعضها صحي وبعضها أخلاقي واجتماعي, كالبعد عن التدليس والغرر.
بل أن العلماء أكدوا أن هناك كسبا غير مشروع للأطباء القائمين بإجراء هذه العمليات التي تغير من خلق الله دون ضرورة, فمكسبها حرام شرعا!
يقول الدكتور نصر فريد واصل, مفتي الجمهورية الأسبق, إن إجراء عمليات التجميل بما لا يؤدي إلي تغيير أو تزييف أو خداع من أجل الزواج, فهذا مشروع ولا بأس من ذلك, أما إذا كان هناك تغيير في الشكل من أجل غش الناس أو بقصد التدليس فهذا منهي عنه شرعا, وما ورد في الأحاديث كثير جدا في مسألة التجميل, فهناك تجميل مثل( الحروق والكسور بعد الحوادث) لإعادة الحالة الصحية إلي ما كانت عليها من قبل, فهذا ليس عليه غبار لأن هذه المسألة طبية من الدرجة الأولي, وهو مشروع لإجراء مثل هذه العمليات, أما التجميل في تغيير الشكل أو إعادة الشباب( مثل شد الجلد أو إعادة الشباب وتصغير الأنف) فهذه أشياء يراد بها تغيير من خلق الله سبحانه وتعالي, وأغلبها يكون المقصود منها الخداع في الزواج, وأيضا صبغ الشهر منهي عنه, ولكن إذا فعلته الزوجة لزوجها فلا بأس من ذلك, وإنما الأشياء اللافتة للنظر فهذا ما نهي الشرع عنه, وإذا كان هناك تشويه خلقي يراد إصلاحه فهذا جائز شرعا.
تحسين الهيئة مطلب شرعي
ويؤكد الدكتور أحمد محمود كريمة أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر, أن تحسين الهيئة مطلب شرعي يتفق مع الفطرة الإلهية والخلقة الإنسانية, فلذلك جاءت سنن الفطرة من قص الشارب وتقليم الأظافر...الخ, فهذه أمور تعدد من محامد الصفات, جاء الإسلام فأبقي عليها, فالعمليات التجميلية من باب تحسين الهيئة, وهي تدخل في التداوي المباح الذي قال فيه النبي, صلي الله عليه وسلم:( تداووا عباد الله فما أنزل الله من داء إلا أنزل له الدواء ماعدا الموت), وعلي ضوء هذا فالتداوي لإصلاح العيوب الخلقية كإزالة أصبع زائد أو شعر كثيف...الخ فيجب علي الإنسان إصلاح هذا من باب تحسين الهيئة, ولا بد أن يفرق بين تحسين الهيئة وبين تغيير خلق الله, عز وجل, فتغيير الخلقة يراد به تحويل العضو عن طبيعته الإلهية إلي شئ آخر, لاستعمال شئ محرم, فمثلا ارتداء عدسة لاصقة طبية في العين لإصلاح قصور في النظر, هذا جائز أما ارتداء العدسة نفسها, ولكن ملونة للتدليس علي خاطب أو الخداع فهذا حرام, إذن هناك فرق ما بين تحسين الهيئة وتغيير الخلقة.
تنوع الأجناس لحكمة
من جانبه يقول الدكتور محمد نجيب عوضين أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية الحقوق بجامعة القاهرة, والأمين العام الأسبق للمجلس الأعلي للشئون الإسلامية, إن الله خلق الإنسان وكرمه وجعله في أحسن صورة, فقال الله تعالي:( لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم), والله سبحانه وتعالي حفظ للإنسان تكوينه ونوع في هذا التكوين, وتنوعت الأجناس في خلق الله سبحانه وتعالي لتتناسب مع البيئة, وبالتالي, فإن إحداث أي نوع من التغيير أو التعديل دونما سبب جوهري أو ضروري يقرر أهل الخبرة من الأطباء المحايدين فهو حرام إلا أن تكون هذه العمليات لابد منها, وتمثل مصلحة ضرورية للإنسان, وليس بقصد تغيير شكل ككسر عظمة الأنف المعوجة بغرض إصلاحها, كي يستطيع صاحبها أن يتنفس بطريقة سوية, أو عمليات تقويم الأسنان التي أصابها التسوس والمرض أو الشرائح التي تصلح بها عظام الإنسان لتسهيل حركته نتيجة إصابة من الإصابات.
شفط الدهون جائز
ويضيف: أحيانا يقرر الأطباء إجراء عمليات مثل شفط الدهون في حالة السمنة المفرطة للرجل أو المرأة, كي يستطيع القلب القيام بوظائفه, وتفادي أمراض السكر وضغط الدم ونحو ذلك, فهذه العمليات لا تعد عمليات تجميلية, وإنما هي عمليات طبية لسلامة المريض, ومثلها أيضا عملية ترقيع الجلد الظاهر الخارجي بعمليات ترقيع من أماكن أخري من داخل الجسد, إثر عمليات الحريق الشديد, وبخاصة بالنسبة للنساء وفي المناطق الظاهرة كالوجه وغيره.
الإثم في مخالفة السنن الكونية
ويشير الدكتور عوضين إلي ما شاع بين النساء والرجال واتسعت المسألة بعد أن كانت مقتصرة علي بعض أصحاب المهن والحرف فانشغل الناس حتي العوام أنفسهم بها كعمليات تصغير الأنف وتضخيم الشفتين, وحقن الصدر بمواد السيلكون, وغيرها, وذلك بغرض لفت أنظار الناس وعلي عكس الناموس الكوني الذي جعله الله في أن خلايا الجسد تكبر وتتعرض للشيخوخة وأن عوامل السن تدخل تغييرا علي شكل الإنسان الخارجي, وهذا أمر طبيعي, قصده المولي عز وجل, فالشيخوخة آتية والهرم قادم, وكل مرحلة لها عبادتها وآدابها وأحكامها, وتظهر رخص المولي عز وجل للكبار في تخفيف الأعباء عليهم, فإذا ما خالف الإنسان السنن الكونية بغير ضرورة ولا عذر طبي فإن الإثم واقع لا محالة علي الإنسان نفسه وعلي الطبيب القائم بالعملية, لأنه لا يقدم النصح لهذا الإنسان, ويغلب الربح والشهرة علي الخوف من الله, سبحانه وتعالي وتقواه في البشر, لأن هذا من فعل الشيطان, الذي خاطب ربه مخبرا إياه بأنه سيسعي بينهم بتغيير خلقتهم وتشويهها بواسطة جنوده, ومنهم هؤلاء من الأطباء فقال تعالي حكاية عن إبليس:( ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ولآمرنهم فليغيرن خلق الله ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا), وهذا ما يتحقق الآن, ويتحول كسبهم إلي الكسب غير الحلال, والنبي, صلي الله عليه وسلم, أمرنا بتحري الكسب الحلال, وقال إن الحرام يأكل الحلال, كما تأكل النار الحطب, لأنهم بهذا يساهمون في إغواء الناس ليس إلا لهذا الكسب غير المشروع فينالون غضب الله عز وجل, ويحرمون من بركة الرزق, وهم أعلم الناس بهذا.