لم يعد النهر نظيفا, بعد أن أصبحت مياهه سببا لإصابة المواطنين بالأمراض. المصري القديم كان يقسم أنه لن يلوث ماء النهر, ولكن أحفاده بعد7 قرون استباحوا شواطيء النيل ومياهه فأقاموا المباني المخالفة وألقوا مياه الصرف الصحي والصناعي في جوفه, برغم أنهم يروون بها زراعاتهم, ويستخدمونها في الشرب!
وبرغم الصرخات والاستغاثات علي مدي السنوات الثلاثين الماضية, فإن المسئولين في وزارتي الري والزراعة وقفوا يتفرجون دون أن يحركوا ساكنا, ويكفيهم أنهم يرفعون التقارير لرؤسائهم ويكفي رؤساءهم أن يحفظوها علي الأرفف وفي الأدراج.
السموم تهدد مآخذ محطات مياه الشرب
علي مدي85 كيلو مترا طولا وعرضا في حدود50مترا يشكل مصرف كوتشنر إحدي الكوارث الصحية والبيئية, لما يحمله من مواد سامة نتيجة صرف50 منشأة صناعية في الغربية وكفر الشيخ لمياهها فيه, لتختلط بالمياه العذبة وتستخدم في ري أراضي5 مراكز بكفر الشيخ, بل وتصل إلي مأخذ محطة مياه الشرب بمركز الحامول, ورغم أن المصرف أنشئ للصرف الزراعي, فإنه يجلب جميع الملوثات الصناعية من مصانع المحلة الكبري البالغ عددها28 مصنعا للقطاع الخاص و4 مصانع قطاع عام, بالإضافة إلي الصرف الصحي الذي يبقي فيه بداية من الغربية ونهاية بالبرلس بكفر الشيخ, ونظرا لوجود أزمة متكررة في مياه الري بكفر الشيخ حيث تقع المحافظة في نهاية المصبات والترع مما يؤثر بالسلب علي كمية المياه التي تصل إلي الأراضي الزراعية بالمحافظة, يضطر الفلاحون لاستخدام مياه مصرف كوتشنر الملوثة بشتي أنواع الملوثات الصناعية والصحية في ري أراضيهم, مما يعرض صحة المصريين للخطر, وهو ما يفسر ارتفاع نسبة الإصابة بفيرس سي في كفر الشيخ, خاصة بين المزارعين, وتشير الدراسات التي أجرتها كلية الزراعة بكفر الشيخ بالتعاون مع مركز بحوث الزراعة إلي أن ارتفاع معدلات التلوث بالعناصر الثقيلة في الأسماك في مناطق التلوث بمحافظتي الغربية وكفر الشيخ والمناطق المجاورة, يؤدي إلي إصابة المستهلكين بمرض ضمور العضلات وهشاشة العظام, بالإضافة إلي إصابة الإنسان بـشلل الأطراف وغيبوبة بسبب ارتفاع معدلات تلوث المياه بمادة الرصاص لتأثيرها الكبير علي الجهاز العصبي المركزي.
كما يقول الدكتور صلاح علي ـ أستاذ البيئة والمياه والأراضي بمركز البحوث الزراعية ـ فإن أهم أسباب زيادة انتشار أمراض الفشل الكلوي وسرطان الكبد بكفر الشيخ هو وجود هذا المصرف اللعين, فمياهه تحتوي علي العديد من المواد السامة الناتجة عن مخلفات صرف المصانع, لافتا إلي أن المشكلة تكمن في قيام مسئولي الري بخلط مياه المصرف كوتشنر بمياه بحر تيرة العذبة بنسبة معينة لري أراض بقطاع المنصورة والحامول وبلطيم وبعض أراض في الرياض وسيدي سالم, أما الطامة الكبري فتكمن في وصول مياه كوتشنر السامة إلي بحر تيرة عن طريق نقطة الالتقاء بينهما في منطقة محطة صرف رقم5 عندما تشح المياه في أثناء السدة الشتوية, حيث تعود مياه كوتشنر إلي بحر تيرة فتصبح مصدرا لمحطة مياه الشرب بالحامول, فتصبح كارثة, لأنه في هذه الحالة لا تستطيع محطة مياه الحامول بإمكاناتها الضخمة علاج مشكلة مياه كوتشنر بما تحتويه من سموم.
400 ألف متر مكعب من مياه الصرف تلوث نيل الغربية يوميا
خير دليل علي سوء حالة نهر النيل في محافظة الغربية بمراكزها الثمانية وقراها الـ..317 هو ما يؤكده المهندس محمد عبدالمنعم عبدالمطلب ـ رئيس الإدارة المركزية لإقليم صرف وسط الدلتا ـ أن تلوث مياه المجاري المائية, خاصة المصارف بمنطقة وسط الدلتا, أصبحت من الظواهر السلبية, وذلك للنتائج الخطيرة المترتبة علي تلوث هذه المياه, والتي تؤثر تأثيرا مباشرا علي صحة المواطنين بمنطقة وسط الدلتا, ويضيف: يعتبر مصرف الغربية الرئيسي من أكثر المصارف عرضة للتلوث نتيجة صرف مياه الصرف الصحي والصناعي غير المعالجة, حيث يتم صرف مخلفات الصرف النهائي لعدد41 منشأة صناعية و22 محطة صرف صحي بمحافظات الغربية وكفر الشيخ ودمياط, وتمثل محافظة الغربية أكبر نسبة لمصادر التلوث لهذا المصرف, حيث يتم إلقاء مخلفات الصرف النهائي غير المعالج لعدد40 مصنعا, كما يتم صرف الصرف النهائي غير المعالج لعدد9 محطات صرف صحي تقع بزمام محافظة الغربية, ويبلغ إجمالي كميات الصرف الصحي غير المعالج التي تصب بمصرف الغربية الرئيسي حوالي352 ألف متر مكعب يوميا, بالإضافة إلي7200متر مكعب صرف صناعي غير معالج.. مشيرا إلي أن هذه الكميات تؤدي إلي تلوث مياه الصرف التي يتم خلطها بمياه بعض الترع لاستخدامها في ري الأراضي الزراعية.
ويضيف التقرير أنه نظرا لشدة تلوث مياه الصرف, فإن ذلك يؤثر علي نوعية مياه الترع المخلوطة بمياهه, والمقررة لري250ألف فدان.. ويوصي التقرير بضرورة الزام كل الجهات المعنية وهي: وزارة الإسكان, والدولة لشئون البيئة, لعمل المعالجات اللازمة لهذه المخلفات طبقا للقانون رقم48 لسنة82, في الوقت نفسه, فإن نتائج تحليل العينات المأخوذة من الصرف النهائي لمحطات معالجة الصرف الصحي, التابعة لشركة مياه الشرب والصرف الصحي بالغربية, تؤكد عدم مطابقتها للمعايير لزيادة المواد العالقة والأكسجين المستهلك كيماويا, والأكسجين الحيوي الممتص, والكبريتات, والزيوت والشحوم, بالإضافة إلي وجود كلور مثبط, وعدم مطابقتها بكتريولوجيا, حيث أسفرت نتائج تحليل العينات عن عدم مطابقة191 عينة من إجمالي195 بنسبة 98%, وذلك من العينات التي تم أخذها من محطات: بقري الغربية, مما يؤكد أن الشركات القائمة علي تشغيل وصيانة محطات معالجة مياه الشرب والصرف الصحي, والتي تتقاضي ملايين الجنيهات شهريا, لا تقوم بعملها علي الوجه المطلوب.
300 ألف فدان تتغذي من المصارف
أكثر من300 الف فدان تتغذي بمبيد قاتل اسمه مياه الصرف الصحي حيث انتشار الترع والمصارف التي تحولت إلي برك قذرة ومستنقعات اسنه, الأمر الذي يهدد الزراعات ويشكل خطورة بالغة علي حياة الأهالي.
يؤكد زهير ساري رئيس الجمعية الزراعية المركزية للاصلاح الزراعي ان هناك أكثر من200 ألف فدان تروي أراضيها بمياه الصرف الصحي من المصرف الخيري الممتد لمسافة45 كيلو مترا والواقع بمراكز دمنهور وأبوحمص والمحمودية وادكو ورشيد, حيث انه المصب الرئيسي لمحطات الصرف الصحي بهذه المراكز, محذرا من خطورة المياه غير المعالجة علي الزراعات الأمر الذي يؤثر بالسلب علي خصوبة الاراضي ويفقدها القدرة علي انتاج محاصيل جديدة بسبب تراكم العناصر الثقيلة لافتا بأن المزارعين يعتمدون علي هذا المصرف كمصدر رئيسي مستخدمين ماكينات الرفع التي تخرج ممتلئة بالمخلفات الصلبة والاصباغ الصناعية والكيماويات ويناشد بضرورة توسعة وتطوير ترعتي ناصر وهلوته اللتين من المفترض انها تمدان هذه الاراضي بمياه النيل.
ويشاطره الرأي شاكر الشيمي سكرتير مجلس رابطة مستخدمي المياه قائلا ان فصول هذه الكارثة اكتملت بري اكثر من170 ألف فدان بمياه الصرف الصحي من خلال ترعة ساحل مقرص التي امتلأت بالمخلفات الادمية والحيوانات النافقة واستغلها اهالي35 قرية بمد مواسير الصرف الصحي إلي مجري الترعة فأصبحت مصبا رئيسيا لمسافة50 كيلو مترا للصرف الصحي مما يهدد بحدوث كارثة محدقة تتسبب في تلف الزراعات وظهور امراض نباتية كثيرة مثل النيما تودا وسوسة النخيل.
اما المزارع محمد سرور عضو الجمعية الزراعية بالبحيرة فيصف هذه المشكلة بالمهزلة الكبري ويدعو المسئولين لزيارة مصرف كوم حمادة الواقع بين مركزي الدلنجات وكوم حمادة وهو مصرف زراعي إلا انه تحول إلي مصرف للصرف الصحي حيث انه يروي نحو18 الف فدان بمياه تحمل الجراثيم والميكروبات مضيفا ليس امامنا سوي هذا المصرف لري اراضينا بدلا من تركها تبور.
مساحتهما ألف فدان والإيراد صفر!
سوء الاستغلال يدمر مزرعتي الوادي الأسيوطي والغريب
رغم صدور منشور الموازنة العامة للدولة الذي تضمن توجيه الانفاق العام إلي غاياته واستخدامه كأداة لرفع معدلات التنمية الاقتصادية ودعم الخدمات والاحتياجات المجتمعية فإن الواقع في محافظة أسيوط مختلف تماما حيث أدي الاهمال وسوء الاستغلال لمزرعتي الوادي الأسيوط والغريب وإهمال أعمال الصيانة للآبار لتوقف معظم الطلمبات عن العمل وجفاف الزراعات وهو ماتبعه تراكم الخسائر من عام لآخر حتي وصلت في30 يونيو الماضي إلي نحو ثلاثة ملايين ونصف منها3 ملايين و196 ألف جنيه تخص الوادي الأسيوطي و328 ألفا تخص الغريب رغم أن إنشاء المزرعتين في أوائل التسعينيات كان يهدف لإنشاء مزرعة نموذجية تابعة للمحافظة تكون نواة وتجربة يحتذي بها.
ففي مزرعة الوادي الأسيوطي والتي تبلغ مساحتها نحو830 فدنا موزعة علي17 بئرا ارتوازيا كلفت الدولة وقت إنشائها ملايين الجنيهات حيث تمت زراعتها بأشجار الهوهوبا والزيتون والنخيل والبرتقال بالإضافة للزراعات والمحاصيل التقليدية أدي الاهمال والفساد وسوء أعمال الصيانة من الجهة المسئولة عن الإشراف علي المزارعين إلي شبه موت للمشروع, فالبئر الأولي تبلغ المساحة التابعة لها نحو41 فدانا تمت زراعة نحو نصف فدان ليمون والباقي بور, كما أن البئر الثانية والتي تبلغ مساحة الأرض التابعة لها46 فدانا تمت زراعة خمس أفدنة منها بأشجار الزيتون ماتت بسبب اهمال البئر وتلفها, أما البئر الثالثة: وتبلغ مساحة الأرض التابعة لها نحو60 فدانا زرعت منها أكثر من85% من المساحة بأشجار الزيتون وقد صممت لها شبكة ري بالتنقيط فهي الأخري معطلة ولو انتقلنا إلي البئر الرابعة والخامسة والسادسة والتي تبلغ المساحات المستصلحة التابعة لها نحو151 فدانا فهي معطلة ومن ثم لايوجد زرع حاليا وتحتاج عمرة كاملة, كما أن البئر السابعة والثامنة اللتين تبلغ مساحتهما نحو96 فدانا لايوجد بها زراعات ويحتاجان إلي عمرة, ولو انتقلنا إلي البئر التاسعة والتي تبلغ مساحتها نحو62 فدانا ونصف تمت زراعة35 فدانا بأشجار الـ هوهوبا,7 أفدنة زيتون, وفدانين بفسائل نخيل ويوسفي ورغم أن البئر حالتها متوسطة فإن الطلمبة التي تعمل عليها معطلة وكذلك البئر العاشرة والتي تبلغ المساحة التابعة لها41 فدانا زرعت منها33 فدانا, مابين نخيل وزيتون يتخلله نخيل البلح السمان فالطلمبة معطلة وهكذا باقي السبع عشر بئرا مابين معطل ومتوقف لإهمال أعمال الصيانة والتي ادت لتآكل المواسير, وإذا انتقلنا لمزرعة الغريب التي تبلغ مساحتها140 فدانا فقد تم تصميم ماكينتي لها الأولي بحاري نجدها معطلة منذ عدة سنوات والثانية: ارتوازية نجدها فقط خلت من أي زراعات سوي50 نخلة.
وقد أدي الاهمال والتسيب الي الانخفاض الشديد في إيرادات هاتين المزرعتين بالمقارنة بمصروفاتهم حتي بلغ العجز المرحل لهما من عام إلي آخر في2013/6/30 ثلاثة ملايين ونصف المليون جنيه.