استعدادا لمباحثات السلام بين مصر وإسرائيل في منتجع كامب ديفيد بالولايات المتحدة قام الرئيس الأمريكي جيمي كارتر بزيارة إلي مقر وكالة المخابرات المركزية الأمريكية( سي آي إيه).
في شهر أغسطس من عام1978 حيث طالب بتوفير الكثير من المعلومات عن ضيوفه المنتظرين في كامب ديفيد وفي مقدمتهم الرئيس المصري محمد أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي مناحم بيجن وذلك قبل بدء المباحثات يوم5 سبتمبر.1978
وأشار كارتر إلي أنه طالب وكالة المخابرات المركزية وأجهزة المخابرات بإعداد إحاطات بشأن كل من بيجن والسادات علي أن تشمل: استكشاف الشخصيات التي أتاحت لهما أن يصبحا من القادة, وجذور طموحهما في القيادة, والأهداف الأساسية في حياة كل منهما, والأحداث الرئيسية في مرحلة الطفولة التي أثرت في حياتهما, ومعتقداتهما الدينية, وعلاقاتهما الأسرية, وعلاقاتهما بزعماء آخرين في أنحاء العالم. كما طالب بالتعرف علي مدي احتمال كل منهما للضغوط, ورد فعل كل منهما لأي ضغوط. وتم التوصل إلي أن بيجن عندما يتعرض للضغط فإنه يلجأ للتفاصيل بينما يلجأ السادات إلي العموميات مما دفع الخبراء لنصح كارتر بأن يتباحث مع كل منهما بشكل منفرد. وبعث زبيجنيو بريجنسكي مستشار الأمن القومي للرئيس بمذكرة لكارتر أشار فيها إلي أن السادات لا يمكنه تحمل الفشل وهو يعلم ذلك. وأن كلا من السادات وبيجن يظنان أنه( كارتر) لايستطيع تحمل الفشل أيضا, بينما يظن بيجن أن فشل كامب ديفيد سيلحق الضرر بكارتر والسادات أما هو فلن يتعرض لأي ضرر. وفي نهاية شهر أغسطس تم تحذير كارتر من فقدان السيطرة علي المباحثات والإبتعاد عن القضية المحورية نتيجة لتمسك بيجن بالقيود القانونية أو للغموض وعدم الدقة التي يتسم بهما السادات. واكتشفت المخابرات الأمريكية أن قراءة شخصية السادات كانت صعبة للغاية. وكان معلوما أن السادات قادم لكامب ديفيد ليحصل للفلسطينيين علي نوع ما من الإلتزامات ولو من حيث المبدأ. وقبل وصول الوفود جلس كارتر ليطالع نتائج تحريات المخابرات عن الضيفين الرئيسيين المنتظر وصولهما.
أولا ـ أنور السادات:
وفي الوثيقة المتعلقة بتحريات المخابرات عن ملامح شخصية السادات المؤرخة بتاريخ23 أغسطس1978 تمت الإشارة إلي أنه ثوري سابق, ووطني قومي متحمس, ينحدر من أصول ريفية. تولي القيادة بعد جمال عبد الناصر وساد إعتقاد واسع بافتقاده للقوة والدهاء السياسي ليكون ناجحا. ولكنه أثبت انه زعيم معتدل وسياسي براجماتي( عملي) ودبلوماسي. عرف بواقعيته وفطنته السياسية وقدرته علي اتخاذ قرارات مفاجئة وشجاعة ودرامية. لقد ظل يبحث عن تسوية سلمية بثقة في النفس وتفاؤل في وجه المخاطرة والفشل.
وعن أسلوبه في القيادة تمت الإشارة إلي نجاح السادات في السيطرة علي اتخاذ القرار خلال مباحثات السلام مع إسرائيل لدرجة أن كبار مستشاريه للشئون الخارجية دائما ما يسيطر عليهم عدم التأكد بشأن ما يدور في ذهنه وبالتالي تحتم عليهم الرجوع إليه شخصيا عند اتخاذ القرارات المهمة.
ويفخر السادات بالمصريين وبأصوله الريفية وبحساسيته تجاه مطالب شعبه, فهو يرغب في دخول التاريخ بوصفه الشخص الذي حسن من الحالة الاقتصادية والاجتماعية للمواطن المصري العادي. وتم التنبيه إلي أن فهم واهتمام السادات بشئون الاقتصاد يقل كثيرا عن السياسة والسياسة الخارجية وبالتالي يتأثر قراره بالشق السياسي.
وتمت الإشارة إلي ان السادات رجل عميق التدين ويجيد التحدث بالإنجليزية إلا أنه أحيانا لا يلتقط الفروق الدقيقة أو يتابع المنطق المعقد. ويتسم حديثه بالجدة واللين ودفء الأسلوب.
ثانيا ـ مناحم بيجن:
أما الوثيقة المتعلقة برئيس الوزراء الإسرائيلي مناحم بيجن فقد جاءت مؤرخة بتاريخ7 يوليو1977حيث تم الإنتهاء منها عقب انتخابه رئيسا للوزراء بأقل من شهر! وقبل مبادرة السادات بعدة شهور! وجاءت التحريات لتشير إلي أن بيجن رجل مبادئ ولديه معتقدات قوية. ينظر إليه علي أنه متشدد في غالبية المسائل. وحاصل علي ماجستير في فلسفة التشريع( وتم حجب عدة سطور). منذ توليه السلطة ظهرت صورة جديدة لرئيس وزراء رصين وزعيم ومفكر وطني ورجل نزيه بإمكانه أن يجدد فخر إسرائيل وأن يلمع من صورتها في الخارج. قضي بيجن29 سنة في صفوف المعارضة السياسية اليمينية بالكنيست وحافظ علي الزعامة القوية الإستبدادية لعدة أحزاب وحركات بما فيها كتلة الليكود. يظهر اهتماما بالشأن السياسي والشئون المحلية. ولدي حكومة بيجن آمال اقتصادية كبيرة.
وبعد حجب أجزاء تتعلق بطفولته وجذوره تمت الإشارة إلي أنه فر من بولندا مع بداية الحرب العالمية الثانية وفقدان والديه وشقيقه علي يد قوات النازي. تعرض للاعتقال في معسكر بشمال روسيا. وفي منتصف الأربعينيات تزعم حركة أرجون السرية التي عملت بفلسطين في ظل الإنتداب البريطاني ويؤمن بأن أرض إسرائيل الكبري هي حق ووطن لليهود. أظهر اعتراضه علي أي انسحاب من الضفة الغربية أو غزة أو العودة لحدود ما قبل حرب1967 إلا أنه ترك الباب مفتوحا أمام قدر من التنازلات في الجولان وسيناء. ويفضل بيجن التفاوض المباشر مع قادة الدول العربية ويؤمن بأن اللقاء المباشر يمكن أن يحقق التغيير في الرؤية والمنظور إزاء المشكلات الدولية المعقدة. ويري أن بإمكان الولايات المتحدة وإسرائيل التفاهم بشأن المطلب العربي واستكمال تاريخهما الطويل من العلاقات البينية الجيدة بوصفه هدفا رئيسيا للسياسة الخارجية الإسرائيلية. ونادرا ما يناديه أحد باسمه الأول, ويتحدث اللغات الإنجليزية والفرنسية والألمانية والبولندية والروسية. وانعقد مؤتمر كامب ديفيد بناء علي دعوة من رئيس الولايات المتحدة ـ جيمي كارتر ـ خلال الفترة من5 إلي17 سبتمبر.1978 وفي اليوم الأخير بعد13 يوما من المباحثات أعلن الزعماء الثلاثة في17 سبتمبر1978 التوصل إلي إبرام إتفاقيتين للسلام تمهيدا لتوقيع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل في مارس1979 لتستعيد مصر باقي سيناء التي كان قد تحرر جزء منها بالفعل بعد إنتصار مصر عسكريا علي إسرائيل في عام.1973
وفي النهاية لم يكن ما تم الإفراج عنه من وثائق كاملا. فقد تم حجب جمل وسطور كاملة انتظارا لزمن قادم يتاح فيه الإفصاح بشكل كامل عن محتوي تلك الوثائق.