أهلاً وسهلاً بك زائرنا الكريم، إذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيرجى التكرم بزيارة صفحة التعليمات، بالضغط هنا. كما يشرفنا أن تقوم بالتسجيل بالضغط هنا إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى، أما إذا رغبت بقراءة المواضيع والإطلاع فتفضل بزيارة القسم الذي ترغب أدناه
ـ نعى رب العزة على المشركين والمنافقين فى عهد النبوة أنهم لا يتدبرون القرآن الكريم . وهى عادة سيئة لا تزال مستمرة حتى اليوم لدى (المحمديين ) أنهم لا يتدبرون القرآن ، لأنهم لا يقرءون القرآن إلا للبحث عما يوافق أهواءهم والأحاديث الكاذبة التى تمثل أساس أديانهم الأرضية ، ولا يستمعون للقرآن إلا إذا تحول الى أغنية يشدو بها قارىء أو ( مقرىء ) أو مطرب .ومن عجب أن السياق القرآنى الذى جاء فيه النعى على المشركين أنهم لا يتدبرون القرآن ـ ينطبق على معظم مسلمى عصرنا . 2 ـ ولنبدأ بسورة المؤمنون المكية حيث يقول تعالى عن مشركى مكة : ( قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ) ( المؤمنون66 : 68 ). وفى لمحات موجزة معجزة يصف رب العزة موقف المشركين فى مكة عند سماعهم القرىن يتلى عليهم ،إذ كانوا ينكصون على أعقابهم كراهية فى الاستماع لتلاوة القرآن الكريم ، ويدفعهم لذلك استكبارهم أن تأتى تلاوة القرآن وطلب الهداية على مؤمن يعتبرونه أقل منهم شأنا ، كل ذلك أوجزه قوله تعالى (قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ مُسْتَكْبِرِينَ ).ولكن فى الوقت الذى يكرهون فيه الانصات للقرآن الكريم وهو يتلى عليهم فانهم كانوا يقيمون حفلات ليلية للسمر يجعلون فيه القرآن الكريم مادة للتسلية واللهو والطرب ، يقول تعالى عن تعاملهم مع القرآن الكريم (بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ ). وبهذه الطريقة ( تحويل القرآن الكريم الى أغنية للطرب أو التغنى بالقرآن ) لا يمكن لهم أن يتدبروا ما يقوله رب العزة فى القرآن الكريم لأنهم فى الحقيقة لا يسمعون القرآن ولكن يسمعون صوت الذى يتغنى بالقرآن ، ولهذا يقول لهم رب العزة (أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ ؟) وهو سؤال استنكارى ..لأنهم لو تدبروا القرآن الكريم ما تعاملوا معه بهذا الشكل . 3 ـ وهاجر النبى محمد عليه السلام الى المدينة فاكتسب اعداءا جددا هم المنافقون. وبهم بدأ أول كذب على النبى فى حياته ،إذ كان بعضهم يدخل عليه يقدم فروض الطاعة فاذا خرج من عنده أطلق أكاذيب زاعما أن النبى قال كذا وكذا . أى إن صناعة الأحاديث الكاذبة بدأ بها المنافقون القدماء فى عهد النبى محمد عليه السلام ، ثم استمرت وتكاثرت بعد موته خصوصا ولم يعد هناك وحى يفضح المنافقين الجدد الذين نسبوا للرسول بعد موته أقاويل واحاديث لم يعرفها ولم يقلها ، واستمرت مصانع الأحاديث تلقى بفضلاتها فى عصر الرواية الشفهية لتلبى حاجة أصحاب الهواء السياسية والدينية و العنصرية و القبلية ، ثم جاء العصر العباسى بالتدوين فاصبح من حق كل انسان ـ حتى لو كان مجوسيا اسمه ابن برزويه أو البخارى ـ أن يجلس فى قعر بيته ثم يزعم أنه حدثه فلان عن فلان عن فلان .. ويجد من يصدقه من المغفلين ...بل ولا يزال الحمقى يصدقونه حتى الان . نقرأ فى سورة النساء وهى تفضح تآمر بعض المنافقين وكذبهم على النبى محمد فى حياته وحين كان ينزل عليه الوحى : (وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُواْ مِنْ عِندِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِّنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ )(النساء: 81 : 82 ).أى كانوا يقولون له سمعا وطاعة ، فإذا خرجوا من عنده تآمروا ليلا وبيتوا وتآمروا على الكذب على النبى واسناد أقوال له لم يقلها، ولأنه عمل خطير فقد كان يستلزم أن يأخذ طابع المؤامرة ، ولذلك نزل القرآن الكريم يكشف أسرارهم وتآمرهم ، ويؤكد أن الله جل وعلا يسجل عليهم ما يصنعون ليؤاخذهم به يوم القيامة ، ويأمر الله جل وعلا رسوله الكريم بالاعراض عنهم وبالتوكل على الله سبحانه وتعالى . ثم ينعى عليهم أنهم لا يتدبرون القرآن .. وبإنقطاع الوحى نزولا وبموت النبى عليه السلام اصبح الكذب على النبى محمد عليه السلام أكثر سهولة وأكثر أمنا وخاليا تماما من المخاطرة ، بل أصبح مهنة وطريقا للشهرة ، بل يصبح الكذاب الأشر إماما مقدسا مثل مالك والشافعى وابن حنبل وابن فلان وابن علان .! .. 4ـويكثر فى سورة (محمد ) ـ مع قصرها ـ الحديث عن الكافرين والمنافقين : ( وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِندِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُوْلَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ ) ( محمد 16) (وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ ) ( محمد 20 : 21 ). ويلفت النظر أن الله جل وعلا وصفهم مرتين بأنهم كرهوا القرآن الكريم، يقول تعالى عن الكافرين : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ ) ( محمد 8 :9 )، ويقول عن المنافقين : (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ) (محمد 23 : 25 ) التدبر من داخل القرآن وليس خارجه : ( بين تدبر القرآن وبيان القرآن ) القرآن الكريم لا يحتاج إلى تفسير وإنما يحتاج إلى تدبر.. التفسير يكون للكلام الغامض المبهم المعقد الذي لا يمكن فهمه إلا بتفسيره ..وليس القرآن كذلك .. فمن صفات القرآن أنه كتاب مبين وآياته بينات ، ومن صفاته أيضا انه ميسر للذكر وأن أحسن التفسير فى داخل القرآن : ( وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا (33) الفرقان .). ويقول تعالى عن القرآن : " وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ 2 / 99 " ).وجاء وصف القرآن بالبينات فى عشرة مواضع فى الكتاب العزيز . ويقول تعالى " وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آَيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ .." 24 / 34 " . وجاء وصف القرآنبأنه آيات مبينات فى ثلاثة مواضع فى الكتاب الحكيم . و يقول تعالى " قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ ..5 / 15 ". وجاء وصف القرآن بأنه مبين فى ثلاثة عشر موضعا فى القرآن الكريم . والمبين أى الذي يبين نفسهبنفسه.أى أن بيان القرآن فى داخل القرآن ، ولذلك يقول تعالى عن القرآن أنه بيان للناس " هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ 3 / 138" يقول تعالى جلا وعلا انه هو الذي يبين القرآن " ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ 75 / 19 " منهج البيان القرآني . يقول تعالى عن القرآن العزيز " وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ 16 / 89 " أى أنه جاء فى القرآن الكريم التبيان والتوضيح لكل شيء والمؤمن بالقرآن حين يقرأ هذه الآية الكريمة يبادر بالقول صدق الله العظيم ولا يجول فى عقله أى نوع من التشكيك فى قول الله تعالى حتى لا يكون ممن قال عنهم رب العزة " وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آَيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ " ،"وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آَيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ " 34 / 5 ، 38 ".إذن فالمؤمن يخشع عند قوله تعالى "" وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ 16 / 89 " ويتدبر معناها ومدلولها فى القرآن الكريم . وكلمة " بان " أى ظهر ووضح ، إذن فالشيء الظاهر الواضح لا يحتاج إلى مزيد بيان ، فإذا كان هناك شخص يلبس عمامة بيضاء فلا داعي لإثبات أن عمامته بيضاء ، وإلا كان ذلك نوع من السخافة والفضول ، وكتاب الله تعالى هو القول الفصل الذي ليس بالهزل ، ولذلك فإنهيبين ما هو محتاج للتبيين ويظهر ويوضح ما هو محتاج إلى للإظهار والتوضيح وقوله تعالى " وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ " يعنى توضيح كل شيئ يحتاج إلى توضيح ، ولذلك فإن فى القرآن تفصيلات أنزلها الله سبحانه وتعالى على علم أى بالتحديد " وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ " 7 / 52 " فتفصيلات القرآن نزلت على علم وبمنهج .. وهناك فى القرآن تشريعات ترك القرآن تقنينها للعرف والمتعارف عليه بين الناس حسب ظروف كل عصر كقوله تعالى مثلا " وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (241) كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ(242 ) البقرة " أى أنا متعة المطلقة حق ولكنه متروك فى تحديده للمعروف والمتعارف عليه حسب أحوال المجتمع وحالة الرجل المطلق ، وبعدها يقول تعالى " كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ" فهذا هو البيان القرآني فى داخل القرآن . والغالب فى آيات التشريع أن يختمها الله سبحانه وتعالى بتأكيد أنها بيان من الله تعالى ، كقوله تعالى فى سورة البقرة مثلا بعد تشريعات الصوم " كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187) " . وبعد تشريع التحريم للخمر والميسر ، ومقدار الإنفاق يقول الله تعالى " كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219) البقرة ..وبعد الكلام عن نكاح المشركين يقول " وَيُبَيِّنُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (221) البقرة " وبعد تفصيل لأحكام الزواج والطلاق استغرق عشرين آية قال تعالى " كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (242) البقرة " وفى ختام الآيات عن الصدقة والترغيب فيها يقول تعالى " كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (266) البقرة " .ويتكرر ذلك فى سورة النور فى آيات التشريع للاستئذان والولائم ( النور : 58 ـ 61 ) كما يؤكد أن بيان القرآن فى داخل القرآن وليس خارجا عنه ، وأن الله تعالى هو الذي يبين القرآن فى داخل القرآن كما قال فى أوائل الوحي " ثم إن علينا بيانه .." . وقد يأتي القرآن بمصطلحات جديدة فيوضحها ويضع لها تعريفا ، فالكلالة فى الميراث تعنى أن يموت الإنسان دون ذرية من صلبه ، وينزل تشريع الميراث الخاص بالكلالة وفيه تعريف الكلالة يقول تعالى " يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ .. " النساء 176 " فجاء تحديد الكلالة فى قوله تعالى " إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ " وفى نهاية الآية يقول تعالى " يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (176) النساء ) ، فالبيان من الله فى داخل القرآن وليس خارجا عنه . وهناك مصطلحات أخرى خارج التشريع ومع ذلك وضع القرآن لها التحديد والشرح كقوله تعالى " مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ (3) تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4) المعارج " فذالك توضيح كلمة " ذي المعارج " . ومعنى القارعة فى نفس السورة " الْقَارِعَةُ (1) مَا الْقَارِعَةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ (3) يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ (4) ..." ومعنى الطارق فى قوله تعالى " وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ (2) النَّجْمُ الثَّاقِبُ (3) .." ومعنى الغاشية أيضا فى قوله تعالى " هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ (1) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ (2) .." وذلك يعنى أن منهج البيان فى القرآن هو أن نتتبع الآيات نفسها لنأخذ منها البيان وأن مجرد القراءة للآيات مع الفهم يجعل مدلولاتها تتضح بنفسها باعتبار أن الآيات " بينات مبينات ". أى أن وظيفة الدارس للقرآن هو أن يعرض على الناس الآيات البينات ولا يكتمها ، يقول تعالى " إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160) البقرة .. فالله تعالى أنزل القرآن " بينات " وهو الذي أوضح وبين الآيات البينات فى الكتاب والذين يكتمون الآيات البينات يلعنهم الله واللاعنون ، إلا إذاتابوا وأصلحوا وأظهروا الآيات البينات .إذن فعكس البيان هو الكتم أو عدم إظهار الآيات التى هى فى حد ذاتها بينات واضحات .. والله تعالى يتوعد الذين يكتمون البينات باللعنة والعذاب . والله تعالى أنزل الكتب السماوية السابقة مبينات أيضا " وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ " "وَآَتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ " 2 / 92 ، 87 " . وأخذ الله تعالى العهد على أهل الكتاب أن يظهروا البينات للناس وألا يكتموها يقول تعالى " وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ 3/ 187 " أى كتموا البينات بدلا من إظهارها .. فالكتم هو نقيض البيان بالنسبة لكتب الله تعالى ومنها القرآن . ولكن كيف نتبع الآيات لنأخذ منها البيان ؟ . هناك آيات فى التشريع تشكل وحدة قائمة بذاتها فى الأحكام التشريعية مثل الصيام والاستئذان ، والغالب فيها أن يختتم التشريع بأن اللهتعالى يبين الآيات لعلهم يتذكرون أو يتفكرون أو يعقلون . وهناك تفصيلات متفرقة فى التشريع وغيرها وقد توزعت آياتها فى مواضع متعددة فى الكتاب الحكيم وهنا ينبغي للباحث أن يتتبع تلك الآيات فى القرآن ويسترشد بها جميعا للوصول للحكم ، وذلك معنى التدبر ، وذلك يعنى أن يسير الدارس خلف الآيات أو يتتبعها دون أن يكون فى ذهنه حكم مسبق حتى لا يقع فى تحريف المعاني أو تأويلها أو كتم الآيات التى تخالف معتقداته . وفى القرآن آيات محكمة أى أوجزت المعنى المراد فى صورة حاسمة ، وفى القرآن آيات متشابهة أى رددت نفس المعنى الذي يأتي فى الآية المحكمة ولكن بصور متنوعة ومتداخلة ، والذي يدخل على الآيات وفى ذهنه أحكام مسبقة قد يجد غرضه فى الآيات المتشابهة فيأخذ من بعضها ما يريد ويتجاهل الآيات المحكمة والآيات المتشابهة الأخرى .أما الذي يريد الهداية ويهتم أساسا بمعرفة الحق فهو يولى وجهه نحو القرآن ولديه الاستعداد التام لأن يتخلى عن كل ما فى عقله إذا تعارض مع كلمة واحدة فى الكتاب العزيز . وهو يؤمن أن القرآن ليس فيه مجال للعوج والاختلاف ، وبذلك يبدأ التدبر فى الآيات باعتباره فريضة إيمانية " أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (82) النساء " والمنهج الذي يتبعه هو أن يجمع كل الآيات الخاصة بالموضوع ما كان منها محكما وما كان متشابها ويؤمن أنها كلها من عند الله ، ويتدبر معناها، وحينئذ سيجدها تؤكد نفس المعنى فى إيجاز وتفصيل . يقول تعالى " هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (7) آل عمران .أن الآيات المتشابهة تؤكد الآيات المحكمة ولا تتناقض معها والآيات المحكمة تؤكد ما فى الآيات المتشابهة ، ولذلك فالقرآن كله قد أحكم الله آياته " الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1) هود والله تعالى قد جعل القرآن ميسورا للذكر " فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ .." 19 / 97، 44 / 58 " . وقد جاء قوله تعالى " " وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ " أربع مرات فى سورة القمر ..والمعنى المراد أن كتابا معجزا مثل القرآن الكريم جعله الله تعالى ميسرا للذكر أو لمن أراد أن يتذكر أو يخشع .. والدليل أن المثقف العادي فى عصرنا إذا قرأ آية أضاءت معانيها فى عقله ، مثله فى ذلك مثل القارئ المسلم منذ قرون طويلة .. مع اختلاف الظروف واللهجات . والله تعالى يجعل القرآن ميسرا للذكر وليس مجرد التلاوة والقراءة .. والمقصود بالذكر عبارة التدبر والخشوع والاعتبار ومعرفة الأحكام والشرائع وقصص القرآن .. وعلى ذلك فإن الذي يدخل على القرآن وفى قلبه الاستعداد للذكر والرغبة فى الاستفادة منه وطلب الهداية من الله تتفتح أمامه كنوز المعرفة القرآنية يغترف منها على قدر ما لديه من رغبته فى الهداية وعلى قدر ما فى قلبه من تعظيم للكتاب العزيز ، وأما الذي فى قلبه زيغ فهو يتجه للقرآن لكي يعزز وجهة نظره ، فإذا صادفته آية متشابهة توافق هواه فى الظاهر فرح بها ، وإذا عثر على آية أخرى تخالف هواه قام بتأويلها أو بكتمانها وتجاهلها ، مع تعزيز رأيه بأحاديث وأقاويل السابقين ، وفى كل الأحوال يكون قد حرم نفسه من هداية الكتاب الذي لا ريب فيه "ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) البقرة " .