استيقظ ع.ش موظف علي المعاش من نومه فجرا علي أصوات غريبة تصدر من خارج الشقة التي يسكن فيها بإحدي عمارات وسط البلد, وعندما قرر متابعة تلك .
الأصوات بعد تكرارها في أكثر من ليلة, اكتشف أن هناك أشخاصا غريباء يتجولون داخل العقار ولا يظهرون سوي في الأوقات المتأخرة من الليل, وحين حاول رؤيتهم من خلال العين السحرية لباب الشقة لم يستطع تحديد ملامحهم بدقة, كما لم يستطع أيضا مواجهتهم خشية من رد فعلهم الذي لا يعلم مداه, وخاصة انه يسكن هو وزوجته بمفردهما في هذه الشقة.
لكنه سأل بواب العمارة بعد ذلك عن هؤلاء الأشخاص الذين لا يظهرون سوي في الفجر, والذي اندهش مؤكدا أنه لا يدخل حجرته الموجودة بالطابق الأرضي هو وزوجته إلا بعد التأكد من غلق باب العمارة جيدا بالمفتاح, فمن أين إذن يأتي هؤلاء؟!
وهنا تكمن الكارثة.. أسطح المنازل أصبحت هدفا استراتيجيا لاختباء الخارجين عن القانون!!
فبعد مرور بضعة أيام علي هذه الواقعة, قام أحد سكان هذا العقار نفسه بالإبلاغ عن سرقة محتويات شقته بالكامل ليتضح بعد ذلك أن هؤلاء الأشخاص الذين كانوا يتجولون ليلا, هم ثلاثة أشقياء من معتادي الإجرام لم يجدوا مأوي لهم بعد إرتكاب جرائمهم غير أسطح العمارات نظرا لخلوها معظم الوقت, إن لم يكن كل الوقت, إلي جانب إنه المكان الأمثل للاختفاء, حيث لا يأتي في بال أحد أن هناك من يدخل العمارة في وضح النهار في أثناء غياب معظم السكان في أعمالهم أو في دراستهم وانشغال البواب بإحضار الطلبات المختلفة, ويختبئ بالطابق فوق الأخير( السطح) حتي أوقات الليل المتأخرة للتأكد من هدوء الحركة في العمارة تماما, وأيضا دخول البواب إلي حجرته للنوم.. وقتها تصبح الحركة سهلة, والنزول إلي الشارع أبسط ما يكون لممارسة كل أعمال السرقة والنهب والبلطجة, والعودة مرة أخري إلي سطح البيت ولا من شاف, ولا من دري مما يصعب مهمة الوصول إليهم, وخاصة أن الصدفة وحدها هي التي قادت رجال المباحث الي كشف غموض هذه السرقة التي حدثت بإحدي شقق هذا العقار وذلك من خلال التحدث مع السكان الذين كان من بينهم هذا الشخص الذي اعتاد سماع أصوات هؤلاء تنبعث من الخارج في أوقات متأخرة, مما جعل ضابط المباحث يصعد إلي السطح ليكتشف أن هناك من كان يمكث به لفترة من خلال الأغراض التي وجدوها ملقاة علي الأرض, والتي أكدت شكوك هذا الضابط في أن هذا المكان هو المأوي الآمن لهؤلاء المجرمين نظرا لبعده عن أعين الناس وأيضا عن مخيلة رجال المباحث, وأن هؤلاء الخارجين عن القانون قد قرروا مغادرة المكان فور قيامهم بسرقة الشقة الموجودة بالعقار, حتي لا ينفضح أمرهم, وراحوا للبحث عن مكان آخر أو بمعني أدق سطح آخر لاستكمال خطة الاختفاء المحكمة بعد كل عملية إجرامية يقدمون عليها!!
هذه واحدة من عشرات الوقائع التي لا تتسع سطور هذه الصفحة لكتابتها, لكننا حاولنا من خلالها التحذير وتسليط الضوء عليها بعد تكرارها أكثر من مرة, قبل أن تتحول إلي ظاهرة يصعب محاصرتها والسيطرة عليها بعد ذلك.
اللواء مجدي البسيوني الخبير الأمني يؤكد انتشار هذه الوقائع, وأنه كان قد نوه إليها قبل ذلك, نظرا لخطورتها الشديدة ليس علي سكان العمائر فقط, بل علي سير العملية الأمنية بوجه عام, فمثلا هناك أماكن تجمعات مهمة وحيوية ومواقع اشتباكات واصطدامات لابد من إحاطتها أمنيا, وبالفعل يتم تأمينها بمختلف الوسائل سواء بالدبابات أو المتاريس أو حتي الأسلاك الشائكة,, ولكن هذا لا يكفي, حيث إن الأماكن المرتفعة لا تؤمن وسط هذه الإجراءات الأمنية المشددة التي تتم بالأسفل في الشوارع ومواقع الاحداث الساخنة, رغم أن تأمين الأماكن العالية لا يقل أهمية بل في بعض الأحيان يزيد علي تأمين شوارع الوزارات الحيوية والميادين, فإذا اعتلي مسلحون مثلا أسطح إحدي العمارات وبدأوا في التعامل مع القوات في الأسفل, وقتها تصبح لهم السيطرة, وتعد مواجهتهم والقضاء عليهم من أصعب ما يكون.
ومثال علي ذلك كما يشير اللواء البسيوني, أنه حينما كانت تشتد المواجهات بين الأمن وبين المتطرفين في أسيوط والمنيا تكون الصعوبة بل كل الصعوبة عندما يعتلي هؤلاء المتطرفون أعالي الجبال أو المآذن العالية, فالخطة الأمنية لابد وأن تشمل الأماكن الأعلي كما هو الحال في الأسفل أيضا, وذلك من خلال إغلاق جميع الأسطح بباب حديد وخاصة في المباني القريبة من الجهات الحيوية والوزارات المختلفة, حتي لو كان ذلك علي حساب المحافظة, ويكون مفتاح هذا الباب مع رئيس اتحاد العمارة ويصبح هو المسئول عن فتح وغلق هذا الباب, وبعد ذلك إذا أراد المعتدي أو القناص الصعود لأحد أسطح العمارات ووجد بابا حديديا مغلقا فلن يستطيع الدخول.
ومن هنا يطالب اللواء مجدي البسيوني سكان العمارات أيضا بتعميم مثل هذه الخطة علي جميع الأسطح تفاديا لصعود أي معتد قد يضر سكان العمارة أنفسهم أو بالآخرين..
وجاءت كلمات ح.م بواب إحدي عمارات شارع9 بالمقطم دليلا علي ما سبق ذكره, فكاد أن يدفع حياته ثمنا حينما انتابه الشك بإحدي الليالي بوجود شخص غريب بالعمارة, فخرج علي الفور من حجرته بالطابق الأرضي وصعد السلالم حتي وصل إلي السطح, وقبل أن يدخل فاجأه أحد الأشخاص بطعنه في كتفه الأيمن ونزل مهرولا علي السلم, وحين وصل إلي أسفل فوجئ بأن باب العمارة مغلقا, فلم يجد ما يفعله سوي الصعود مرة أخري ليجد البواب ومعه السكان في مواجهته فأمسكوا به وانهالوا عليه ضربا مبرحا قبل تسليمه لدورية الشرطة التي استدعاها أحد الجيران.