بحث و مطوية عن حفظ النعم كامل جاهز
فلينظر الإنسان إلى طعامه
الحمد لله نعمه لا تعد ولا تحصى ، سبحانه تبارك وتعالى جده ولاإله غيره ، والصلاة والسلام على الرسول الأمين ، نزل عليه الوحي فبلغه ، وطبقه ، فكان خلقه القرآن اللهم صل وسلم وبارك عليه
معلوم أن نعم الله جل جلاله لاتعد ولاتحصى مصداق ذلك في كتاب الله القائل ( وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوهآ إن الله لغفور رحيم ) .
قال العلامة الشنقيطي رحمه الله : ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن بني آدم لا يقدرون على إحصاء نعم الله لكثرتها عليهم وأتبع ذلك بقوله ( إن الله لغفور رحيم ) فدل ذلك على تقصير بني آدم في شكر تلك النعم وأن الله يغفر لمن تاب منهم ويغفر لمن شاء أن يغفر له ذلك التقصير في شكر النعم وبيَن هذا المفهوم المشار إليه هنا بقوله ( وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار )
وبين في موضع آخر أن كل النعم على بني آدم منه جل وعلا وذلك في قوله ( وما بكم من نعمة فمن الله ) .
ومن النعم العظيمة التي أنعم الله بها على البشرية ، نعمة الطعام فالطعام نعمة إلهية كبرى. لفت الله سبحانه نظر الإنسان إليها في كثير من الآيات القرآنية لينظر فيها ويعتبر، ويعرف قدرها ويشكر الرازق الكريم
فقال جل ذكره ( فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24) أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاء صَبّاً (25) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقّاً (26) فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبّاً (27) وَعِنَباً وَقَضْباً (28) وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً (29) وَحَدَائِقَ غُلْباً (30) وَفَاكِهَةً وَأَبّاً (31) مَّتَاعاً لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (32) )
وقال سبحانه ( وَآيَةٌ لَّهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبّاً فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (33) وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنْ الْعُيُونِ (34) لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ ) (35) )
ومن هذا المنطلق فهذه وقفات مع هذه النعمة العظيمة :
الوقفة الأولى :
نعمة الطعام تدعونا أولاً إلى التوحيد والعبادة ، ألم تسمع إلى قول الله جل جلاله { قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ قُلْ إِنِّيَ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكَينَ }
ألم تسمع إلى قول الله سبحانه {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ، مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ }
ولهذا المعنى العظيم استدل النبي الخليل إبراهيم عليه وعلى نبينا أفضل صلاة وتسليم على وحدانية بهذه النعمة عندما خاطب قومه قائلاً ( قَالَ أَفَرَأَيْتُم مَّا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ{75} أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ{76} فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ{77} الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ{78} وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ{79} .
الوقفة الثانية :
نعمة الطعام تحتاج إلى شكر المنعم جل جلاله :
عن أبي هريرة رضي الله عنه : دعا رجل من الأنصار من أهل قباء النبي صلى الله عليه وسلم , قال : فانطلقنا معه , فلما طعم النبي صلى الله عليه وسلم وغسل يديه قال : الحمد لله الذي يطعم ولا يطعم , ومن علينا فهدانا , وأطعمنا وسقانا وكل بلاء حسن أبلانا , الحمد لله غير مودع ولا مكافأ ولا مكفور ولا مستغنى عنه , الحمد لله الذي أطعمنا من الطعام , وسقانا من الشراب , وكسانا من العري , وهدانا من الضلال , وبصرنا من العمى , وفضلنا على كثير ممن خلق تفضيلا ، الحمد لله رب العالمين ) رواه الإمام أحمد بسند صحيح .
الوقفة الثالثة :
للطعام آداب مرعية دلت عليها سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم القولية والفعلية وهذه الآداب أذكرها لأذكر بها نفسي وإخواني وانصح إخواني بأن يذكروا ويعلموها لأهل بيتهم لزوجاتهم لأبنائهم لبناتهم فمن ذلك :
أولاً / تسمية الله في أوله فعن عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه قال : كنت غلاما في حجر النبي صلى الله عليه وسلم وكانت يدي تطيش في الصحفة فقال لي رسول الله : ( يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك ، فمازلت تلك طعمتي بعد ) رواه البخاري ومسلم .
فإن نسي في أوله فالحل رواته عائشة الصديقة رضي الله رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( إذا أكل أحدكم فليذكر اسم الله تعالى ، فان نسي أن يذكر اسم الله تعالى في أوله فليقل : بسم الله أوله وآخره ) رواه أبو داود بسند حسن
ومن آداب الطعام : الأكل والشرب باليد اليمنى والنهي عن الشمال فعن جابر بن عبدالله رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تأكلوا بالشمال فان الشيطان يأكل بالشمال ) رواه مسلم .
ومن آداب الطعام الأكل مما يلي الآكل فعن عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك ، فمازلت تلك طعمتي بعد ) رواه البخاري ومسلم
وعلة النهي في ذلك : لأن الأكل من موضع أيدي الناس فيه سوء أدب وقد يتقذر الآكلين من هذا الفعل وهو الغالب .
قال الإمام ابن عبدالبر : إذا كان فيه نوعان أو أكثر فلا بأس أن تجول اليد فيه ، وإنما قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( وكل مما يليك ) إنما أمره أن يأكل مما يليه لأن الطعام كله نوع واحد .
استحباب أكل الطعام بعد ذهاب حرارته ودخانه من الآداب النبوية فعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها أنها إذا كانت ثردت غطته شيئا حتى يذهب فوره ثم تقول : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( انه أعظم بركة ) رواه الدارمي واحمد بسند صحيح .
وفي السلسلة الصحيحة عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : لا يؤكل طعام حتى يذهب بخاره .
ومن آداب الطعام الواردة : النهي عن عيب الطعام واحتقاره فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : ( ما عاب رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما قط ، كان إذا اشتهى شيئا أكله ، وإن كرهه تركه ) رواه البخاري ومسلم
قال النووي : عيب الطعام كقوله : مالح - حامض - غير ناضج ونحو ذلك .
وعلة النهي في ذلك : لإن الطعام خلقة الله فلا تعاب ، وفيه وجه آخر وهو أن عيب الطعام يدخل على قلب الصانع الحزن والألم لكونه الذي أعده وهيأه .
ومن الآداب استحباب الاجتماع على الطعام :
وعن وحشي بن حرب عن ابيه عن جده أن اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا : يا رسول الله ! انا نأكل ولا نشبع ؟ قال : فلعلكم تفترقون . قالوا : نعم . قال : فاجتمعوا على طعامكم واذكروا اسم الله عليه يبارك لكم فيه . رواه ابن ماجه واحمد بسند حسن .
ما أجمل هذا الأدب النبوي ، وماأجمل أن يلتقي الجميع على مائدة واحدة الأب والأم والأبناء فتحل البركة وتجتمع القلوب .
ومن آداب الطعام الواردة استحباب رفع اللقمة عند سقوطها ومسح ما علق بها وأكلها فعن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ( إذا وقعت لقمة أحدكم فليأخذها فليمط ما كان بها من أذى وليأكلها ولا يدعها للشيطان ، ولا يمسح يده بالمنديل حتى يلعق أصابعه فانه لا يدري في أي طعام البركة ) رواه مسلم .
ومن الآداب المتأكدة في الطعام حمد الله عند الانتهاء منه فقد ثبت في الحديث الحسن ( من أكل طعاما فقال الحمد لله الذي أطعمني هذا من غير حول مني ولا قوة غفر الله له ما تقدم من ذنبه ).
وفي الحديث الصحيح عن أمامة الباهلي رضي الله عنه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رفعت المائدة من بين يديه قال : الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ، غير مكفي ، ولا مودع ، ولا مستغنى عنه ربنا .
الوقفة الرابعة :
الطعام طريق إلى الجنة ، ألم تسمع إلى قول الله تعالى عندما وصف صنفاً من عباده فقال ( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً{8} إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً{9} إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً{10} فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً{11} .
اللهم إنا نسألك من فضلك العظيم واجعلنا منهم برحمتك يارب العالمين