لم يكن النبى صلى الله عليه وسلم فقيراً
سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتقد بعض إخواننا الغير منتبهـين أنه كان فقـيراً ويضربون به المثل للناس أنه عاش فقـيراً وعليكم أن تعيشوا فقراء مثله فمن الذى قال ذلك ؟
إن حضرة النبى صلى الله عليه وسلم كان أغنى الأغنياء لكنه كان كريماً فكان ينفق ولا يخشى من ذي العرش إقلالاً وكما تعلمون فإنه بعد هجرته ضمن له الله عز وجل العزة .. كيف؟ أقص لكم القصة التى لا يعرفها الكثيرون....
قبل مبعث النبي بثلاثمائة سنة، خرج ملك اليمن تبَّع الحميري بجيشه، وأراد أن يسيطر على المدينة وكان اليهود يقطنونها لمعرفتهم أن نبي آخر الزمان سيظهر فيها، فأرسل اليهود إلى تبَّع أنك لن تستطيع دخول هذه البلدة لأنها مهجر نبي آخر الزمان، فسأل تبَّع العلماء الذين معه عن ذلك؟ فأكدوه له، فاختار سبعين رجلاً من العلماء المصاحبين معه وبنى لكل رجل منهم منزلاً من طابق واحد وبنى لكبيرهم منزلاً من طابقين وزوج العلماء السبعين وأعطاهم المال الذى يستعينون به على الحياة، وتركهم بالمدينة وترك مع كبيرهم رسالة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وعندما هاجر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة {قَالَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ لِرَسُولِ اللَّهِ: اُدْخُلِ الْمَدِينَةَ رَاشِداً مَهْدِيّاً، فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ الْمَدِينَةِ، فَخَرَجَ النَّاسُ فَجَعَلُوا يَنْظُرُونَ إِلى رَسُولِ اللَّهِ، كُلمَا مَرَّ عَلى قَوْمٍ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ ههُنَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: دَعُوهَا فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ ـ يَعْنِي نَاقَتَهُ ـ حَتَّى بَرَكَتْ عَلى بَابِ أَبِي أَيُّوبٍ الأَنْصَارِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ} أى أن معها خط سير ممن يقول للشئ كن فيكون! .. وكذلك لا يمشى واحد منا إلا بخـط سـير وإن كان لا يراه ولا يطلع عليه من الله لأنه قـال ذلك
(( هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ))) 22 يونس( فظلت الناقة ماشية إلى أن جاءت عند مكان وزمزمت ونخت فجـاء الذين هم حول المكان مسرعين!! فقال صلى الله عليه وسلم ما أقرب باب إلينا؟
قالـوا باب أبى أيوب! فحمل أبو أيـوب أغـراض سيدنا رسول الله .. فجاء أخـوال حضرة النبى ليأخذوه عندهم فقال المرء مع رحله، وكان منزل أبى أيوب هـو المنزل ذو الطابقين وكان من ذرية كبير العلماء الذى قال له الملك تبَّع هـذا منزل نبى آخر الزمان وعندما يهاجر عليك أن تسلمه له! ، ولما دخـل رسول الله وبعد أن استراح قال: يا أبا أيوب أيـن كتاب تبَّع ؟ ... فجاء أبو أيوب بالكتـاب وسلمه لرسول الله وكان عنوانه: إلى محمد بن عبدالله خاتم النبيين والمرسلين ورسول رب العالمين، من تبع لأول حمير، أمانة الله في يد من وقع هذا الكتاب في يده، إلى أن يدفعه إلى صاحبه، وفي الكتاب كلام كثير فيه أنه آمن بالنبى ولم يره وأنه على ملته وملة إبراهيم ويسأله ألا ينساه ... وكذا وكذا ، ثم شعر طويل منه:
شهدت على أحمد أنه
رسول من الله بارى النسم
فلو مد عمرى إلى عمره
لصرت نصيرا له وابن عم
وجالدت بالسيف أعداءه
وفرجت عن قلبه كل هم
فقرأه صلى الله عليه وسلم و بعد أن قرأه قال : مرحبا بتبع الأخ الصالح ( ثلاث مرات)، وذلك لأنه آمن قبل بعثة حضرة النبي بثلاثمائة سنة أو يزيد ، بل وبنى له بيته أيضاً ... إذاً فقد نزل النبي فى بيته !! ولم يسكن عند أحد !! .. فياللعزة .. والتكريم!!
والأنصار كانوا أناساً صالحين كما وصفهم الله فى الكتاب المبين:
(( يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ))
(9 الحشر)... فلم يمدحهم الله بصلاة ولا بصيام أو أى عبادة .. لكنه وصفهم بالصفات الحسان التي يحبها الرحمن، لماذا؟
ذلك لكي نعرف مراد الرحمن من الإنسان فأنت إذا صليت ألف ركعة فى الليلة فذلك لنفسك (( مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ))
(46 فصلت) وإذا صمت الدهر كله فلنفسك ... لكن ما يهمنا نحن كمؤمنين حولك ... وما يهم ربك هو ما شكل أخلاقك معنا! وكذلك معاملاتك؟ هذا هـو ما يهمنا ويهم رب العزة عز وجل .
ولنسأل رسول الله من أقرب الناس إليك يوم القيامة يا رسول الله ؟ قـال:
{ إنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِساً يَوْمَ القِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلاَقاً} ، وقوله أيضاً: { أَحَبُّكُمْ إِلَى اللَّهِ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلاَقَاً الْمُوَطَّئُونَ أَكْنَافَاً الَّذِينَ يَأْلَفُونَ وَيُؤْلَفُونَ } .
لأن ذلك هو الغاية فكان الأنصار لرسول الله مكرمين وكان سيدنا سعد بن معاذ رضى الله عنه يرسل لحضرة النبي كل يوم جفنة كبيرة فى الصباح يحملها عشرة رجال وجفنة فى المساء مملوءة بالثريد واللحم – كم كانت تكفى هذه الجفنة؟
قالت الروايات أنها كانت تكفى لستين وهذا هو واحد فقط من الأنصار كان يطعم كل يوم ستين فى الصباح وستين فى المساء من ضيوف وزوار حضرة النبي صلى الله عليه وسلم هـذا بخلاف بقية الأنصار.
والأمر يطول لو تتبعنا الآثار فى هذا المنوال، وفوق ذلك أغناه مولاه فقد جاء أغنى يهودي فى المدينة إسمه مخيرق وجمع اليهود وقال لهم: يا معشر اليهود تعلمون أن محمداً على الحق فهيا بنا نحارب معه، واليهود كما وصفهم الله قوم بهت ينكرون الحق وهم يعلمون أنه الحق فأنكروا، فقال لهم: سأخرج لأحارب معه واعلموا علم اليقين أنى لو قتلت فإن كل مالي لمحمد، فذهب إلى معركة بدر ومات شهيداً؛ فورث رسول الله صلى الله عليه وسلم ماله وقد كان أغنى أغنياء المدينة! ... إذاً فإن أغنى واحد فى المدينة بعد موت مخيرق كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ... لكن كل الموضوع كما قال بعض الصالحين :
تعود بسط الكف حتى لو أنها ثناهالقبض لم تطعه أنامله
لو أراد أن يقبضها لا تطاوعه أصابعه لأنه كان ينفق على الدوام حتى عندما كان ينفد ما عنده ويأتيه سائل أو طالب عطاء يقول اذهب إلى السوق وابتع علىَّ (أى اشترِ على حسابى) أو اقترض علىَّ، ويروى سيدنا عمر رضى الله عنه فيقول:
{ جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:مَا عِنْدِي شَيءٌ أُعْطِيكَ، ولَكِنْ اسْتَقْرِضْ حَتّى يٌّاتِينَا شَيءٌ فَنُعْطِيَكَ، فقال عمر: ما كلفك الله هذا، أعطيت ما عندك، فإذا لم يكن عندك فلا تكلّف، قال: فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم قول عمر رضى الله عنه حتى عُرِفَ في وجهه، فقال الرجل: يا رسول الله بأبي وأمي أنت، فأعط ولا تخش من ذي العرش إقلالاً، قال: فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم وقال: بِهَذا أُمِرْتُ } .
وكما ثـبت فى الروايـات الصحيحة التى جمعها الحافظ الشامى رحمة الله عليه وقد وضع هـذا الرجـل أكبر كتـاب فى سيرة رسول الله أسماه ( سـبل الهـدى والرشـاد فى سـيرة خـير العبـاد ) ، وهو كتاب من ستة عشره مجلدا ويقول الرجل لم أضع هذا الكتاب إلا بعد اطلاعي على ألف كتاب فى سيرة النبي بمعنى أنه جمع فيه ملخص ألف كتاب فى سيرة حضرة النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد جاء هذا الكتاب بما كان يملكه حضرة النبي وكما قال الكتاب كان يملك مائتا رأس من الأغنام وكانـت ألبـانها تذهـب للضـيوف وأهـل الصفة من الفقراء والمساكين وكان يمـلك دواجن فى البيت تحكى عنها السيدة عائشة وتقول رضى الله عنها : كانت لنا دواجن يتصايحن فإذا دخل صلى الله عليه وسلم البيت سكتت ولم نسمع لها صوتاً.
وكان صلى الله عليه وسلم يملك أكثر من عشرة جمال ومشهورون بأسمائهم، هذا بخلاف الخيل والبغال والحمير وأشياء كثيرة ذكرها أصحاب السيرة مجموعة يستطيع أى واحد الإطلاع عليها فى كتب السيرة .
فعندما يقول واحد أن النبي كان فقيراً فقد جانبه الصواب وكل ما عليك أن تقوله فى هذا المجال أن النبي كان غنياً بالله لأنه كان لحسن توكله على الله لا يمانع فى أن يخرج كل ما عنده فى لحظة وذلك ثقة بأن الله سيعطيه ويمنحه لأن الله تولاه.
وقد كانت دوابه صلى الله عليه وسلم عجيبة وغربية:
وخذوا مثالاً : الناقة .. الناقة التى دخل عليها المدينة كان يقول دعوها فإنها مأمورة، وكان كل بيت من الأنصار يعمل تحية للنبى المختار، فمنهم من أعد التمر ومنهم من أعد اللبن، ومنهم من أعد العسل، واليهود كذلك ظناً منهم أنهم سيضحكون على حضرة النبي ,.. أعدوا تحية لحضرة النبي، فكانت الناقة إذا وصلت عند بيت الأنصاري تقف حتى يقدموا التحية !! وإذا مرت ببيت يهودي تسرع ولا تقف!! فما الذى عرفها أن هذا بيت يهودي! وأن هذا بيت أنصاري مسلم ؟ حتى أن الناقة التي كان يركبها كان عندها بصيرة وأخيراً وقفت عند بيته الذى جهزه له مولاه.
وقد ركب صلى الله عليه وسلم ناقته فى الطواف وطاف بالبيت الحرام سبعة أشواط، وسعى بين الصفا والمروة سبعة أشواط، ولكنها لم تخرج شيئاً فى البيت الحرام!! حتى خرجت منه فلا تبولت ولا أنزلت روثا حفاظاً على حرمة البيت الحرام .
إذاً فهي ليست دواباً عادية.
ثم الحمار :الحمار الذى يملكه صلى الله عليه وسلم كان إسمه يعفور، فقد كان صلى الله عليه وسلم يسمى كل دابة باسم، وقد أخذ حضرة النبى هـذا الحمار من خيبر عندما فتحها، وقد جعل الله له سهماً فى خيبر خاصاً به وهو الخمس، وكانت خيبر من أغنى المناطق فى بلاد الحجاز وبذلك أصبح خمس ريـع خيبر لحضرة النبي وقد كانت بساتين غناء وحدائق جناء.
وكان صلى الله عليه وسلم عندما يحتاج واحداً من أصحابه، ينادى على يعفور ويقول أريد فلاناً فيمشى الحمار فى طرقات المدينة حتى يصل إلى بيت هذا الرجل ويضرب الباب برأسه فيعرف أن حضرة النبي يريده، فيركب الحمار ويذهب إلى رسول الله.
فأين هذه الدواب العاقلة الآن ؟
وكان إذا أراد أن يصلى وهو مسافر أو فى الغزو وكما تعلمون فإن المصلى من المفروض أن يضع أمامه حائلاً لكي لا يمر أمامه أحد وكان الحائل الذى يضعه رسول الله هو أن يأتى ببغلته أو بفرسـه ويوقفها أمامـه، فهل يستطيع الفرس أو البغلة أن تقف لحظة بدون حركة ؟ أبـداً ... ومع ذلك كان الفـرس لا يحرك ذيلاً ولا قدماً حتى ينتهي رسول الله من صلاته مع أنه لا يربطه ..ز وذلك لأن الله سخر كل الكون وكل ما فيه للحبيب المختار صلى الله عليه وسلم .
إذاً رسول الله لم يكن فقيراً وإنما من أغنى الأغنياء ولكنه كان يكثر من الإنفاق والعطاء، ولا يسأله أحد إلا أعطاه، وقد صنعت له امرأة بالمدينة عباءة قيمة وقالت هذه لك يا رسول الله فلبسها .. فوجدها ملائمة له .. وإذا برجل يقول: يا رسول الله إنى فى حاجة إليها! فلفها وأعطاها له، فلامه أصحاب رسول الله وقالوا: لم طلبتها مع أنك تعلم حاجة رسول الله لها؟ .. فقال: والله ما طلبتها إلا لتكون كفناً لى، فكان صلى الله عليه وسلم كما يقول سيدنا عبد الله ابـن عباس رضى الله عنه أجـود بالخير من الريح المرسلة.
أما الرواية التى تقول أن النبى صلى الله عليه وسلم مات ودرعه مرهونة عند يهودى قال عنها الشيخ محمد عبده رحمة الله عليه: أنا أشك فى صحتها، وذلك فى تفسيره لجزء عم.
حيث قال: أن النبي صلى الله عليه وسلم كما تقول رواية ابن اسحاق فى السيرة لم ينتقل إلى جوار ربه إلا والجزيرة العربية كلها تدين بالإسلام، إذاً لم يكن بها يهودى أو مسيحي – فقد أخرج اليهود بنفسه من المدينة ومن خيبر وذهبوا إلى أزرعات ببلاد الشام- فأين اليهودى الذى كان بالمدينة ليقترض منه حضرة النبى؟
وأضاف الشيخ محمد عبده فقال: إن هذه الرواية عليها أثار الدس اليهودى .. لكي يقولون أن النبي كان محتاجاً لنا وانتقل وهو مديون لنا، والواقع كما سمعتم يكذب ذلك – وحتى لو وجد هذا اليهودي ! هل يترك النبي أغنى أغنياء أصحابه كعثمان ابن عفان وعبد الرحمن ابن عوف وسعد بن معاذ وغيرهم ويطلب من يهودي !! هل يجوز ذلك ويليق يا إخواني؟ كلا!!
ومثل هذه الروايات يجب أن تمحَّص ...
لأننا يجب أن ننزه رسول الله كما نزهه مولاه، فإن الله عز وجل عظمه وعصمه وجعله مكرماً صلى الله عليه وسلم فى كل آيـات قرآنه ... إذاً لا يليق بالمؤمنين أن يسيئوه فى أمر صغير أو كبير مع تنزيه الله وعصمته له صلى الله عليه وسلم .