الرواية الشائعة والمغلوطة عن أصل وفصل السيد جمال الدين الأفغاني وجنسيته, استدعت بطبيعة الحال إنشاء رواية موازية عن تجربة السيد السياسية في أفغانستان. هذه الرواية الموازية المأخوذة عناصرها من ترجمة الشيخ محمد عبده لأستاذه, والتي توارثها الكثيرون, خصوصا في العالم العربي, تحتاج هي الاخرى الى الغربلة وإعادة النظر. والغربلة, ها هنا, لا تتعلق بتفسير التجربة وتأويلاتها, فالباب يظل مفتوحا في هذا المجال, بل تتعلق بالوقائع نفسها, استنادا الى مصادر أخرى يمكن الوثوق بمعظمها.
في مقد م هذه المصادر يأتي كتاب الوثائق والمستندات الذي يضم مجموعة لا بأس بها من مراسلات السيد جمال الدين وأوراقه الخاصة ونصوصه الذاتية وتعليقاته الحميمة, والكتاب هذا نشره الباحثان الايرانيان ايراج أفشار وأصغر مهدوي وصدر عن جامعة طهران عام 1963, وعنوانه بالفارسية: <<مجموعة اسناد ومدارك جاب نشده درباره سيد جمال الدين مشهور به أفغاني>>. ومن نافل القول ان نقل هذا الكتاب الى العربية- خصوصا الأوراق المكتوبة بالفارسية اذ هناك مراسلات باللغة العربية- بات أمرا ملحا.
رواية محمد عبده عن تجربة أستاذه في أفغانستان تقول بأن هذا الأخير استكمل دروسه (في افغانستان) في الثامنة عشرة من عمره, وبأنه سافر الى البلاد الهندية حيث أقام سنة وبضعة أشهر <<ينظر في بعض العلوم الرياضية على الطريقة الأوروبية الجديدة, وأتى بعد ذلك الى الاقطار الحجازية لأداء فريضة الحج, وطالت مدة سفره اليها نحو سنة وهو يتنقل من بلد الى بلد ومن قطر الى قطر حتى وافى مكة المكرمة سنة 1273هـ, فوقف على كثير من عادات الأمم التي مر بها في سياحته, واكتنه أخلاقهم, وأصاب من ذلك فوائد غزيرة, ثم رجع بعد أداء الفريضة الى بلاده, ودخل في سلك رجال الحكومة على عهد الأمير دوست محمد خان. ولما زحف الأمير الى <<هراة>> ليفتحها, ويملكها على سلطان أحمد شاه, صهره وابن عمه, سار السيد جمال الدين معه في جيشه, ولازمه مدة الحصار, إلى أن توفي الأمير, وفتحت المدينة بعد معاناة الحصار زمنا طويلا>>.