أذكر أن أحد الأفاضل قال لي:
إنه يتوقع أن جحا من أهل الجنة،
فقلت له: ولم؟ قال: لم يبق أحد من الناس إلا وقد اغتابه وأعطاه شيئاً من حسناته !!
تأملت في عبارته كثيراً ودفعتني
للبحث عن هذه الشخصية التي لطالما أثارت الجدل والأقاويل، ثم لما تبين لي أمره رأيت انطلاقاً من قوله ?: " من ردّ عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة ".
رواه أحمد والترمذي ،
وحفاظاً على مكانة من عُرف بالإسلام والصلاح ، وإدراك القرون المفضلة أن أُعرّف الناس به ، ليحفظوا عرضه ويكفّوا عن ذكره
بما لا يليق بمكانته.
أقول : إن ( جحا ) ليس أسطورة ، بل هو حقيقة ، واسمه ( دُجين بن ثابت الفزاري – رحمه الله - )،
أدرك ورأى أنس بن مالك رضي الله عنه ، وروى عن أسلم مولى عمر بن الخطاب، وهشام بن عروة، وعبد الله بن المبارك، وآخرون.
قال الشيرازي: جُحا لقب له ، وكان ظريفاً، والذي يقال فيه مكذوب عليه.
قال الحافظ ابن عساكر: عاش أكثر من مائة سنة.
وهذا كله تجده مسطوراً في كتاب "عيون التواريخ" لابن شاكر الكتبي (ص 373 وما بعدها).
وفي ميزان الاعتدال للذهبي (المجلد الأول، ص 326) ما نصه: جُحا هو تابعي، وكانت أمه خادمة لأنس بن مالك، وكان الغالب عليه السماحة، وصفاء السريرة، فلا ينبغي لأحد أن يسخر به إذا سمع مايضاف إليه من الحكايات المضحكة، بل يسأل الله أن ينفعه ببركاته.
وقال الجلال السيوطي:
وغالب مايذكر عنه من الحكايات لاأصل له.
ونقل الذهبي أيضاً في ترجمته له:
قال عباد بن صهيب: حدثنا أبو الغصن جُحا: وما رأيت أعقل منه.
وقال عنه أيضاً : لعله كان يمزح أيام الشبيبة ، فلما شاخ ، أقبل على شأنه ، وأخذ عنه المُحدثون .
وقال الحافظ ابن الجوزي - رحمه الله - : ومنهم ( جُحا ) ويُكنى أبا الغصن ، وقد روي عنه ما يدل على فطنةٍٍ و ذكاء ، إلا أن الغالب عليه التَّغفيل ، وقد قيل : إنَّ بعض من كان يعاديه وضع له حكايات.. والله أعلم.
وأيّاً كان الأمر: - فإن كان جحا صالحاً وأدرك بعض الصحابة ويخرج بهذه الصورة فهذا منكرٌ وجرمٌ كبير .. - وإن كان من عامة المسلمين فلماذا الكلام فيه، والكذب عليه، وتصويره بصورة خيالية ؟
كيف وهو متوفى ؟
وقد جاء في الحديث عنه ?:" أذكروا محاسن موتاكم وكفوا عن مساوئهم " رواه الترمذي ..
وهذه دعوة للجميع بالحرص والدقة والتأمّل فيما يُسمع أو يُقال، وفي الحديث: " كفى بالمرء كذباً (وفي رواية إثماً) أن يُحدّث بكل ماسمع "
وفق الله الجميع لخيري الدنيا والآخرة.