تمتلك الأمة الإسلامية مقومات التقدم والدفع الحضارى ،ففى ترتاثنا الزاخر الخالد أدلة على اتجاه المسلمين نحو العلم التجريبى وعنايتهم بالتطبيق
وبعد مرحلة من الرقاد والنعاس أفاق المسلمون على تقدم الغرب ،بما أفادوه من نواتج حضارتهم يوم أن فهم المسلمون دورهم الحضارى المنوط بهم أداؤه . ويومأن تيقنوا أن الإسلام هو باعث نهضتهم ، وأنه المخلص للأمم من الضياع والتمزق
ونؤكد هنا حقيقة مهمة مؤداها أن واقع الإمكانات المادية والثروات البترولية والكثافة البشرية والمد الجغرافى كلها امور تحفز للإنتاج والتقدم،وتقديم المنجزات ،واستنفار الطاقات الإسلامية الضخمة ، التى إن خرجت من عقالها سيكون لها تأثيرها فى تشكيل العالم الجديد
وقبل ذلك فإن الناظر للإسلام وقيمه الروحية المتسامية ،وأخلاقياته الربانية ، وما يقدمه من بدائل وأطروحات للحياة الرشيدة ، وما اشتمل عليه القرآن الكريم من نفائس وتوجيهات وأحكام وضوابط ، يتأكد لديه أن القرآن الكريم تضمن الأمور الأساسية فى تنظيم الحياة والحكم وفى الهداية والرشاد وفى الإستقامة والتجرد لله تعالى ، وفى أمور العقائد والعبادات والمعاملات والأخلاقيات ، وهى كلها أمور من شأنها أن تكون بواعث ومحفزات ليقظة إسلامية
والمتأمل لرد فعل الغرب نحو الإسلام يجد أن أخشى ما يخشاه العالم الغربى أن تحدث النهضة الإسلامية ،واليقظة الفكرية - وهى حادثة ان شاء الله - ولذا فإنهم يحاربون أى نهضة اسلامية فى بلادهم ، ألا ترى أنهم لا يزالون يختلفون - فى أسبانيا- بخروج المسلمين من الأندلس كعيد عظيم لهم ، رغم ادراكهم للزخم الحضارى الذى خلفه المسلمون هناك
وليس غريبا أنهم لم يخفوا ذلك ، ولكن اعلنوه ، وصوروا الإسلام على أنه خطر عظيم عليهم
ولنتوقف قليلا عند تصريح لأحدهم
إن الخطر الحقيقى الذى يهددنا تهديدا مباشرا عنيفا هو الخطر الإسلامى ، والمسلمون عالم مستقل كل الإستقلال عن عالمنا ،فهم يملكون تراثهم الروحى الخاص ، ويتمتعون بحضارة تاريخية ذات اصالة ،وهم جديرون أن يقيموا بها قواعد عالم جديد دون الحاجة إلى (الإستغراب) أى دون حاجة إلى إذابة شخصيتهم الحضارية والروحية بصورة خاصة فى الشخصية الغربية
وقد حاولنا خلال حكمنا الطويل فى الجزائر أن نتغلب على الشخصية التاريخية لشعب هذا البلد فلم نأل جهدا فى صوغ شخصية عربية له فكان الإخفاق الكامل نتائج مجهودنا الضخم الطويل .وإذا تحرر العملاق من قيود جهله ،وعقدة الشعور بعجزه عن مجاراة الغرب فى الإنتاج فقد بؤنا بالإخفاق الذريع ، وأصبح خطر العالم العربى وما وراءه من الطاقات الإسلامية خطرا داهما يتعرض به التراث الحضارى الغربى لكارثة تاريخية ينتهى بها الغرب ، وتنتهى معه وظيفته القيادية
هذا ما جاء على لسان أحد المسؤلين فى وزارة الخارجية الفرنسية فى الخمسينات!!..ولك ان تتصور كيف نمت هذه الأفكار المتقدمة للذكر - أو كيف يرعاها الإعلام الغربى؟ وكيف ساعدت قوى الشر والصهيونية على نشر مثل هذه الافكار ،التى تخيفهم وتفزعهم من الإسلام؟
لقد بات ذلك واضحا فى سلوك الحكومات فى تلك البلاد ، فقضية الحجاب الذى ارتدته تلميذات مسلمات فى مدارس فرنسا اتخذت أبعادا سياسية عظيمة ، فى مجتمع متحرر يسير فيه العراة وأنصاف العراة ،وتخصص فيه شواطئ للعراة والمنكر !!مفارقة عجيبة وبون شاع
فإذا بهم يحسبون ،بل ويتيقنون بأن الإسلام هو الخطر الداهم عليهم ،ولسنا فى حاجة إلى التدليل على ذلك بما حدث ويحدث لمسلمى يوغسلافيا من هجمات عنصرية صربية مدبرة ومقصودة ، تستهدف ابادتهم وإقتلاعهم من أرضهم ودينهم ووطنهم فزعماء الصرب يصورون الإسلام رعبا هائلا ومدا تتريا جديدا ،وإرهابا،وتطرفا
ويتخذون ذلك ذريعة لقتل المسلمين ،وإغتصاب نسائهم وتشريد اطفالهم ،وتنصير أرضهم ،ولإذهاب هويتهم ، فى مناظر مأسوية ...فما كان ينقله التلفاز من شاحنات ومركبات تحمل أطفال المسلمين لتوزيعهم على بلدان أوربا أمر يثير الفزع أن يذهب جيل كامل من أطفال المسلمين ، ويفقدون هويتهم الإسلامية ،ويعمدون ويتخذ لهم أسماء مسيحية
لمثل هذا يذوب القلب من كمد إن كان فى القلب اسلام وإيمان
وربما يعجب المرء من هذا الخوف والحذر الذى انتقل للعداء والكراهية ،ثم الحرب المعلنة ضد الإسلام وأهله ، ويزول هذا العجب عندما يقفز إلى ذهنه أنهم - أى أعداء الإسلام - أدركوا الجانب العملى والحركى والحياتى فى الإسلام ، ربما من فهم أكثر من المسلمين وإدراكهم له ، أنهم لا يخشون الإسلام كفكرة ، وإنما يخشون منه كباعث حضارى لهذه الأمه ،لا يذوب فى سياقات الحضارات الأخرى ، وإنما تتميز أمته بذاتها وذاتيتها ،ويتميز هو بأنه صانع أمة عندما يكون الإسلام هو نقطة بدايتها وعنوان زعامتها وقادتها ومبعث تكفيرها ونهضتها ،ويحتكم إليه فى خلافاتها ،وإليه يرجع فى شئونها العامة والخاصة
هذا الجانب العملى والحركى هو الذى ابتعث المسلمين، وحركهم من الجزيرة العربية ليحملوا أنوار الهداية لكل العالم وهو الذى دفعهم لنشر هذا الدين وتبليغه ،وتوصيل آيات الحق والهدى لكل البشر
وقدانطلقت مسيرة العرب والمسلمين فى الشرق والغرب ، رافعين راية الله وكان منطقهم الدعوة للتوحيد والاخوة والتحاب ،والشريعة العادلة والخلق الكريم فالله تعالى هو ربهم والناس جميعا إخوانهم ،والارض كلها هى ديارهم .لذا فقد انتصروا ولم يذلوا احدا ، وقد فتحوا البلدان ولم يخربوها وساسوا الناس بالعدل والرحمة والحق ،وحاربوا على شريعة وقد قادهم غلى الفتح والانتصار والتمكن فى الارض ونشر السلطان ذلكم ا لإيمان، الذى ملأ قلوبهم والعقيدة الصافية التى صاغتهم من جديد واليقين بنصر الله الذى اكسبهم ثقة وعونا ورشدا
هذا الإيمان وتلك العقيدة وذلكم اليقين كان منطلق سيرهم ونهايته وصحبهم من غزوة بدر إلى تبوك والقادسية واليرموك وبلاط الشهداء . وقد كان ديدنهم فى ذلك الشريعة الجامعة التى ساروا عليها ،والقانون الإلهى المحكم الذى رشدوا به ،وعملوا به فكانوا لا يعتدون ولا يبغون ولا ينقضون العهدولا يظلمون لا يغدرون ولا يفسقون ، ولذا لم يسيروا فى الارض ابتغاء المال والملك والسلطة والسلطات والجبروت ،ولأنهم كانوا دعاة دين عظيم وشرع قويم وخلق كريم واصحاب رسالة ورسل عدل ورحمة ومساواة وكانو أصحاب حضارة قوية قامت على اساس من الدين القوبم ، وقد ادركوا ينابيع الهدى ومصابيح الهداية ومقومات التمكين فى الارض فى هذه الحضارة ،وان هذه الحضارة المستمدة من السماء لا يمكن أن تقف عند حد الجمود والتصلب ، بل لها من الانبعاث والتجدد الشئ الكبي
ونحن هنا ننطلق من هذا الإنبعاث الذى نجده احدى سمات هذه الحضارة الإسلامية فهى (حضارة بعث) وحضارة انطلاق وتطور ونهضة ودفع لحركة المجتمع ،وتبقى يقظة هذه اللأمة مابقى الحراس الأمناء لهيوتها الحضارية ودعاة الغحياء والتجديد والبعث
بين الحضارة الإسلامية ...وبين البعث تأتى مقالاتنا هذه التى هى محاولة - متواضعة- لرصد عناصر البعث الحضارى ومقوماته فى الغسلام ، انطلاقا من كون هذا الدين به عناصر النهضة ولزوميات التحضر واساسيات التفوق والتقدم ،إيمانا منا بأن النهضة الحقيقية واليقظة الصحيحة لهذه الامة إذا لم تنبعث من دين الله فهى إلى موال وزوال ومحق ،اتساقا مع هذه العبارة الذهبية للفاروق عمر بن الخطاب :"كنا أذلاء فأعزنا الله بالإسلام فإذا ابتغينا العزة فى غيره أزلنا الله "
فضلا عن كون الدين الإسلامى قد ضمن كل المقومات التى تدفع المجتمع للتقدم ،وتستطيع ان ترصد ذلك فى الجوانب القيمة والاخلاقية والعلمية والعملية فى هذا الدين
وأن الإسلام وحده هو القادر على إنقاذ البشرية فى حاضرها ومستقبلها ، مما يحيق بها من اخطار وتحديات ،وذلك بسلامة منهجه فى النظر والفعل ،وفى النظرية والتطبيق ،وقضائه على روح الأثرة والفردية والأنانية والنفعية والتسلطية والجموح والشرود .فقد حدد القرآن الكريم علاقة الإنسان بالوجود كله وبكل من حوله ،وما يعرض له ورسم سمات المجتمع المسلم الفاضل ،ووضع لها ضوابط الحفظ من الهلاك والسقوط والتردى .وأوجد حلولا منطقية ومقبولة وعملية لكل الجوانب ،وبذا جاء القرآن الكريم غنيا وثريا فى كل جوانب الحياة ،الروخية والمادية والعقلية والنفسية والجسمية والإجتماعية
من هذا المنطلق الذى ندور فى دائرته ،مقتنعين وموقنين بأنه لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح عليه أولها ،وبأن ما يعرض للامة من ضعف ووهن إنما مرده إلى ضعف صلتها بدينها وبقرآنها وبافتقاد فاعلية الإسلام ،وتطبيقاته فى حياتنا
والحمد لله رب العالمين ، الذى نستمد من العون والتوفيق فى نصرة الإسلام وإعلاء رايته
د / أحمد عبده عوض
جامعة أم القرى
كلية التربية
توقيع العضو : محبة الأمة الإسلام |
|