الفساد كلمة نسمعها كثيرا ونرددها بقصد وأحيانا بلا قصد، من غير أن نقف عندها أو نحاول معرفة مدلولها أو تأثيرها على حياتنا اليومية وواقعنا السياسى والاقتصادى، وعلاقتها برغيف العيش وخطرها على تنمية بلادنا ومستقبلها الأمنى وقدرتها على الانطلاق وتجاوز التحديات والعقبات التى وضعها الفساد فى طريقها.
الحقيقة أن الفساد كلمة يمكن كتابتها بطرق مختلفة وقراءتها بطريقة واحدة فقط هى لفظة (فساد) ولكن نكتبها (ابتزاز ومحسوبية ورشوة ونفوذ واحتيال ومحاباة وغسيل أموال ومكاسب شخصية وجرائم أخرى)، وهذا هو المعنى الواسع للفساد الذى يتداخل مع مفاهيم صندوق النقد الدولى الذى ينظر إلى الفساد من حيث إنه علاقة الأيدى الطويلة المتعمدة التى تهدف لاستنتاج الفوائد من سلوك ما لصالح شخص واحد، أو لمجموعة ذات علاقة بالآخرين وهذا يعنى أن الفساد (علاقة وسلوك اجتماعى) يسعى أصحابه ورموزه إلى انتهاك قواعد السلوك الاجتماعى، فيما يمثل عند المجتمع المصلحة العامة وهذا فى اعتقادى ما جعل المختصين فى قضايا الفساد يصنفونه إلى فساد (واسع وضيق).
فالواسع هو الذى ينمو من خلال الحصول على تسهيلات خدمية تتوزع على شكل معلومات وتراخيص، أما الفساد الضيق فهو قبض الرشوة مقابل خدمة اعتيادية بسيطة، كأن يقوم موظف ما بقبول أو طلب رشوة لتسهيل إجراء ما كما يمكن أن يتم الفساد عن طريق استغلال الوظيفة العامة من دون اللجوء للرشوة، كأن يقوم من بيده القرار بتعيين أحد أقاربه فى وظيفة ما ضمن منطق (المحسوبية) أو سرقة أموال الدولة على سبيل الاختلاس إذن الفساد حالة وسلوك وممارسة منها ما هو سياسى مثل إساءة استخدام السلطة العامة لأهداف غير مشروعة، ومنها ما هو مالى يتمثل فى الانحرافات المالية ومخالفة القواعد والأحكام المالية التى تنظم سير العمل الإدارى والمالى فى الدولة ومؤسساتها، ومنها ما هو إدارى يتعلق بمظاهر الفساد والانحرافات الإدارية والوظيفية أو التنظيمية، وتلك المخالفات التى تصدر عن الموظف العام خلال تأديته لمهام وظيفته الرسمية ضمن منظومة التشريعات والقوانين والضوابط ومنظومة القيم الفردية، ومنها ما هو شخصى يمارسه المواطن العادى فالمواطن الذى لا يعمل أو ينتج فهو يساعد على الفساد وكذلك الذى يكذب أو يغش أو يخادع أو يجامل أو يحتال أو يدعى أنه يملك الحقيقة المطلقة أو يسكت عن قول الحق أو يهادن أو يتكاسل فهو شريك فى الفساد لأنه انتهك (مبدأ النزاهة).
فالفساد شر كبير يقف فى وجه تقدم مصرنا الحبيبة، فهو يقوض الديمقراطية ويشل حركة الحكومة ويقلل من المساءلة ويشوه التمثيل النيابى ويعض سيادة القانون للخطر ويجعل توزيع الخدمات بين المواطنين غير عادل.
كما أنه ينخر ببطء فى القدرة المؤسساتية للدولة مما يؤدى إلى استنزاف مصادرها وتجفيف منابعها فبسببه تُباع المناصب الرسمية مرة ومرتين وربما ثلاث مرات وبسببه تنعدم ثقة المواطنين فى حكومتهم وبالتالى يفقدون روح التسامح معها، وبسببه أيضاً يتم تقويض التنمية الاقتصادية أو حدوث بعض التشوهات وحالات العجز فيها. وغير هذا كثير وبقى أن نقول إن مكافحة الفساد لا تقع على عاتق الدولة وحدها لأن الدولة لا تستطيع أن تحاسب رعاياها على ما تُخفى صدورهم.