على هامش الأحداث دائماً ما كان لها مكاناً فى منتصف الشوارع الرئيسية التى استقرت بها تفصل بين عالمين أحدهما اختبئ خلفها والآخر وقف فى الناحية المقابلة فى وضع الاستعداد، أحجارها الضخمة التى ارتفعت عالياً "كجدران عازلة" كانت نهاية لكل مشهد حمل تاريخاً واسماً وذكرى فى تفاصيل الثورة التى احتلت بها الجدران العازلة مكاناً خاصاً لتفصل بين الثوار وقوات الأمن كمشهد أصبح معتاداً فى شوارع مصر طوال عامين ونصف العام، مرت خلالهما عشرات الأحداث وتعاقبت خلالهما ثورة بعد أخرى ومازال الجدار واحداً، مهما اختلف مكانه أو ظروف بنائه أو العبارات التى وثقت على إحدى جانبيه حقيقة ما حدث.
"محمد محمود، ماسبيرو، مجلس الوزراء، السفارة الإسرائيلية، الاتحادية، وأخيراً أحداث الحرس الجمهورى، التى انتهت بجدران عازلة اختلفت فى شكلها ولكنها حملت الهدف ذاته، فى منتصف الأحداث التى وضعت لثورة 30 يونيو أول تاريخ تحتفظ به فى ملفاتها ويتذكره أبناؤها فيما بعد، امتد الجدار العازل الذى أغلق مداخل ومخارج المنطقة المحيطة بالحرس الجمهورى ومسجد رابعة العدوية، وفصل بين قوات الجيش ومؤيدى الرئيس المعزول من الطرف الآخر، الذى لم ينتظر من قوات الأمن بناء الجدران العازلة، التى تولى بناءها المعتصمون لأول مرة، اختاروا فيها عزل أنفسهم بأيديهم دون أن ينتظروا جدراناً من أحد.
خلف الجدار الرئيسى الذى فصل بين السلك الشائك للقوات المسلحة، وبداية تمركز المعتصمين بشارع الطيران، وقف المؤيدون مستندين إلى الجدار الذى انتهوا لتوهم من بنائه بشكل عشوائى باستخدام أحجار الأرصفة المحيطة بهم، بعد أن قاموا بخلعها جميعاً وتحويلها إلى جدران عزلتهم عن الأهالى من ناحية وعن قوات الأمن من ناحية أخرى، مبرراً للوقوف حول الجدار بادر أحدهم بالحديث قائلاً، "الجدار ده إحنا اللى بنيناه بأيدينا بعد الضرب، عشان نفصل بينا وبينهم" بعفوية تحدث عن بناء الجدار العازل بصورته العشوائية ومستواه المنخفض قبل محيط الحرس الجمهورى بمسافة كافية، دون أن يعلم هو أو غيره من المعتصمين أنها المرة الأولى التى يبادر فيها المعتصمون ببناء الجدار الذى غالباً ما حاولوا هدمه فى الذكريات الأخرى، وحرص الأمن دائماً على وجوده عقب الاشتباكات ليصد الغضب ويفصل بين وجهات النظر التى نادراً ما تتفق فى محيط الحدث.
البداية التى تعود لشارع "محمد محمود" اختلفت تماماً عما يحدث حالياً فى محيط "الحرس الجمهورى"، بداية من شكل الجدار وطريقة بنائه، والأيدى التى ساهمت فى رص الأحجار بصورة بدت عشوائية ووليدة الموقف عند الحرس الجمهورى، الذى دخلت الجدران عليه حديثاً لتغير خريطة المكان مثلما جرت العادة فى الأماكن التى مازالت محتفظة ببقايا الجدران العازلة، خريطة الاعتصام الذى مازال قائماً بالمنطقة قسم الشوارع المحيطة بالمكان إلى جبهتين رئيسيتين من المعتصمين أحدهما فى محيط مسجد رابعة العدوية، والأخرى بمواجهة قوات الجيش فى شارع الطيران من ناحية الحرس الجمهورى، على جانبى الجبهتين استقرت الجدران العازلة التى حملت طابع خاص بالمعتصمين هذه المرة بأحجارها التى انتمت قبل أيام لأرصفة المنطقة قبل أن تقف لتعزل بين فريقين، أما الشوارع الجانبية التى أحاطت بالاعتصام، فهى التى استقرت بها جدران أحاط بها المعتصمون أنفسهم فى دائرة محكمة أغلقوها من كل جانب، ووقفوا خلفها فى انتظار ما قد يحدث فى الأيام القادمة التى ستترك جدراناً جديدة ستبقى شاهدة على ما سيتذكره الشارع لسنوات طويلة قادمة.