تم انشاء الموضوع الموافق
26.06.2013
04:24:36
حب الذات
*****************************
إن استقرار التاريخ، واستنطاق وقائعه وأحداثه دلنا على أن سمو الهدف وشرف الغاية لهما وزن كبير فى التعاون والتساند، واستهانة الفرد بحياته؛ فكل دعوة من الدعوات قامت على هدف كريم، وغاية نبيلة، وتماسك قوى كتب لها النصر والانتشار؛ والأنا أو (حب الذات) خلق يتجلى فى كل تصرف من تصرفاتنا، أو مسلك من مسالكنا؛ فتظهر فى كتابة الكاتب، وتدور على لسان المحدث، ويتسم بها كل عمل من أعمالنا، ويرد بعض الاجتماعيين هذا الخلق إلى أثر طبيعة العربى الذى تقوى فيه نزعة التفرد، أو روح التعصب للقبيلة، تلك الروح التى كانت تطل برأسها بين أن وآخر فتثير الفتن والقلاقل وتؤلب القبائل والبطون. ولكن هذا الخلق عاد ففشا فينا، وعدنا إلى حمية الجاهلية الأولى؛ فالفرد يضع مصلحته فوق كل مصلحة، تلمس ذلك فى خلق التاجر والموظف والعامل وصاحب العمل وفى الرئيس قبل المرءوس، وتحسه فى المجتمع، فالقوى يتغلب على الضعيف ويأخذ حقه من غير أن يردعه رادع، والظالم يعتدى على المظلوم المغلوب على أمره، والعامل مهضوم الحق، والأجير مقتر عليه فى الرزق، والفقير لا يرعى والمسكين يداس، مثل هذا المجتمع المتخلخل لن يتماسك إلا إذا جعل كل حاكم شعاره قول أبى بكر الصديق ( أيها الناس: قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينونى، وإن أسأت فقومونى؛ الصدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف فيكم قوى عندى حتى آخذ له حقه، والقوى ضعيف عندى حتى آخذ منه الحق إن شاء الله تعالى ). فالغنى ينزل عن بعض ماله، ويتخلى عن شىء من رفاهيته ليطعم جائعا، ويعيش إنسان، والحاكم يضحى براحته ولذاذاته ليقيم العدل بين الناس، ويمشى بينهم بالسوية، والمعلم يسعى جهده ليدفع عن الشعب غائلة الجهل، ويزيل غشاوة الأمية، ويهديه سواء السبيل ( فالعلماء ورثة الأنبياء). والوالد يبذل قصارى جهده فى تربية أبنائه؛ فيضحى براحته وهناءته وملذاته ليشعروا بالأبوة الصادقة، ويحسوا بأن أقرب الناس إليهم يعنى بأمرهم، ويرعى شئونهم، ويأسى لأساهم وينشرح صدره لنجاحهم فى الحياة. والطبيب يغلب جانب الإنسانية فيطب للفقير كما يعنى بالقادر، ويأسو جراح الكروب كما يمسح برفق علة الميسور. والتاجر يرقب الله فى ربحه، فلا يغالى ولا يداجى حتى يكون ماله حلالا، ولا ينتهز فرص الغلاء وشح السلع فى الأسواق، فيزيد النار ضراماً والغلاء اشتعالا؛ حباً فى الثراء العريض والمال الوفير فى غير رحمة بالفقير أو تخفيف عن مسكين ذى مسغبة أو يتيم ذى متربة، ولكن كيف نتحلى بفضيلة الإيثار وقد تظاهرت علينا طبيعة العصر ووراثة الجنس وثعلبة الغاصب، وركام من الأحقاد، ورواسب غرائز السيطرة والتملك وحب الذات ؟ وإلى جانب القوانين الرادعة نعمل على رفع مستوى العيش للطبقات الكادحة، وتخفيف موجة الغلاء، ( ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة) وعلى المشاركة الوجدانية ومحبة الخير لبنى الإنسان.