بسم الله الرحمن الرحيم
يقول الله تعالي في (8-9الحشر) {لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ{8} وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ{9}
هذه الآيات وضَّح الله فيها الأسس التي تُنَشَّأ عليها المجتمعات الفاضلة ومجتمعات المسلمين والمؤمنين في أي زمان ومكان ينبغي أن تكون مجتمعات فاضلة لأن أهلها تربوا على مائدة كتاب الله وتزكت نفوسهم على منهج حبيب الله ومصطفاه فأصبحوا مجملين بخير الأوصاف التي ذكرها الله في هذه الآيات ومن عجب أن هذه الآيات بيَّنت النموذج الأمثل لكل المجتمعات والذي بناه الله لسيدنا رسول الله في عصره وزمانه من الأنصار والمهاجرين ثم وضحت ما ينبغي أن يكون عليه مَنْ بعدهم إلى يوم الدين نحن ومن قبلنا ومن بعدنا حتى نكون كما قال الله لنا {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا}الحشر7
وفي الآيات إشارات نورانية لمن أراد أن يكون من أهل الخصوصية لا بد أن يأخذ هذه الآيات على مسرح نفسه ويطبقها على نفسه حتى يتخلق بخلق الأفراد ويفوز بفضل الله الذي يعم به عباد الله الصالحين وأفراد الله المقربين في كل وقت وحين إذاً الآيات فيها أمر عام للمجتمعات وفيها إشارات خاصة للسائرين في طريق الله فمن أراد أن يُكَون مجتمعاً تقياً نقياً لا فيه مشاكل ولا فيه تطاحن ولا فيه صراعات ولا فيه تنافس في الفانيات فهاكم الآيات وضحت صفات أهل المجتمع الفاضل الذين اختارهم الله واجتباهم الله لحبيبه ومصطفاه وعلى هيئتهم من أراد أن يلحق بهم في أي زمان ومكان ليدخل في قول الله {ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ{13} وَقَلِيلٌ مِّنَ الْآخِرِينَ{14} (الواقعة)
والمهاجرين والأنصار نموذج لأي تجمع إنساني أناس منتقلين إلى المكان وأناس مستقرين ولهم أهلية في هذا المكان هؤلاء يتشبهون بالمهاجرين وهؤلاء يتخلقون بأخلاق الأنصار وهؤلاء وهؤلاء يجمعون هذه الصفات ليكونوا من الصالحين والأبرار أي أن الذي يتخلق يجب أن يتخلق بخُلق المهاجرين والأنصار ليكون من الأخيار والأبرار والأطهار عند الله
{لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ} كلمة الفقراء تعني الذين أحسوا بأنهم بغير عناية الله ومعونة الله ورعاية الله وتوفيق الله وحول الله وطَوْل الله ضعفاء وفقراء لا يستطيعون دفع أي شيء عن أنفسهم ولا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً إلا إذا أمد واجد الوجود عز وجل بجوده وكرمه وأسعفهم بفضله وواسع نعمه فيعلمون علم اليقين أن الفضل كله لله وأن الخير كله من عند الله وأن باسط الأرزاق ومقسم العطايا هو الله وأن الذي بيده الأنفس كلها وبيده النعم والخيرات جميعها هو الله فلا يشاركه في ذلك أحد من خلقه لا من قبل ولا من بعد {قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ}آل عمران73 فهل يجوز لأحد أن يتحكم في فضل الله أو يتدخل في توزيع عطاءات الله؟ ينبغي للمؤمن المـُؤمن بتمام الأدب أن يتأدب مع الله ويُسلم لله تسليماً كاملاً {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً }النساء65
منقول من كتاب [أمراض الأمة وبصيرة النبوة]