بسم الله الرحمن الرحيم
في هذه الآونة نرى مجتمعنا بل والمجتمعات قاطبة إسلامية وغير إسلامية في هرج ومرج وفتن وتخبط ونزاعات وخلافات ليس لها حد ولا يستطيع أحد أن يقضي عليها أو يخفف من وقعها فما أسباب ذلك؟ وما السبيل إلى إزالة ذلك؟ هناك آفات ظهرت في هذا العصر كانت في العصور السابقة بسيطة وقليلة ولكن في هذا العصر استفحل أمرها وانتشر دائها وقلَّ الحكماء والأطباء الذين يعالجون أدوائها فظهر ما نراه الآن من فرقة وشقاق وخلاف وإحن في الصدور وأحقاد وأحساد في القلوب حتى بين الأخوة في الدين وبين الأخوة في الوطن وبين الأخوة الأشقاء من بين أب وأم
وقلت أنها آفات لأنها أمراض معنوية وليست أمراض جسدية فليس العيب في نقص الخيرات أو في قلة الأموال فإن كل ذلك قد يكفي العالم كله والجم الغفير إذا باركه إله الأرض والسماء والبركة لا تكون إلا بعد القضاء على الأمراض المعنوية {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ} هذه الآفات كثيرة ومتنوعة سنشير إلى بعضها بحيث نضع بفضل الله وبإمداد من سُنة سيدنا رسول الله روشتة لأمراض العصر التي أصابت الأفراد والمجتمعات والسبيل إلى إصلاحها والرجوع إلى الألفة والمودة والمحبة والتواد والتعاون والتناصح والتباذل الذي كان عليه ولا يزال عليه المؤمنون والفضلاء من العالم في كل وقت وحين
أول هذه الأدواء داء العصبية إن كانت عصبية للرأي أو عصبية لدين أو عصبية لمذهب أو عصبية لشـيخ أو عصبية لوطــن أو عصبية لنســب أو عصبية لجمـــاعة فقد قضى الإسلام على العصبية في شتَّى صورها وكافة أشكالها وقال الله للمؤمنين في شأنها {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ} وقال الله في شأن الخلق أجمعين {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} وقال صلي الله عليه وسلم فيما كان حادثا في عصره وزمانه من العصبيات العائلية والقَبَلية وغيرها {لَيْسَ مِنَّا مَنْ دَعَا إِلَى عَصَبِيَّةٍ وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ قَاتَلَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ مَاتَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ}[1]
كيف يتم ذلك؟ إذا عرفنا أن مردنا إلى الله فالأرض أرض الله يورثها من يشاء من عباده ليتمتع بها فترة من الزمن ثم تُرد إلى وارث الأرض والسماوات ليوزعها بأنصبة ومقادير معلومات أوردها في صحيح الآيات وزادها تفسيراً في بيان سيد السادات صلي الله عليه وسلم {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} فَلِمَ العصبية لمكان إن كان في بنيان أو في أرض أو في صحراء أو في أي أمر من أمور الدنيا؟ والإنسان مسافر ولن ينال بعد سفره إلا ما قدمت يداه من عمل صالح أعانه وقواه عليه مولاه ورزقه بالتوفيق ليؤديه بالكيفية التي يقبله به الله
فحتى التوفيق في العمل والقيام به فهو من فضل الله وبتوفيق الله وإن كانت العصبية لنسب أو لحسب أو لسلالة فقد قال صلي الله عليه وسلم في ذلك للبشر جميعاً{قَدْ أَذْهَبَ اللَّهُ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَفَخْرَهَا بِالْآبَاءِ مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ وَالنَّاسُ بَنُو آدَمَ وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ}[2] كل السلالات البشرية وكل القبائل والعائلات الأرضية ترجع في النهاية إلى آدم وحواء فكلنا كما قال الإمام عليّ رضي الله عنه
الناس من جهة التمثيل أكفاء ،،،،،،،،،، أبوهم آدم والأم حواء
كلنا في النهاية ننتمي لآدم وقد كان الحكماء العرب يقولون لمن تأخذهم نعرة العصبية بالآباء والأجداد
ليس الفتى من يقول كان أبي ،،،،،،،،، إن الفتى من يقول ها أنا ذا
وقال الله ناعياً على العرب قبل الإسلام عندما كانوا يجلسون في مناسك الحج في مِنَى ليتفاخرون بالآباء والأجداد {فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً} وقضى صلي الله عليه وسلم على العصبية عملياً فألغى العصبية بكل صورها وأشكالها للسلالات البشرية والعائلات والآباء والأجداد وأصبح المؤمن يفخر بتقوى الله والأدب مع الله والأدب مع خلق الله والأدب مع كتاب الله والعمل الصالح الذي أعانه عليه مولاه وقواه بفضله عليه وجعله من خيار عباد الله بتوفيق الله له كما قال في كتابه {وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}
وألغى العصبية سواء للمذاهب الفقهية أو للمشايخ الذين يتلقى على أيديهم المرء العلم ويتدرب على أيديهم على العمل لأن المشايخ جميعاً يدعون إلى منهج رسول الله ولو دعا واحد منهم لنفسه لحاربناه لأننا نتبعه لأنه يدعوا إلى منهج رسول الله ورسول الله صلي الله عليه وسلم مع رفعة قدره وعظيم مقداره لا يدعوا إلى نفسه ولكنه يدعوا إلى الله فلو دعا إلى نفسه ما اتبعناه إذاً الكل يدعوا إلى الله كل السابقين والمعاصرين واللاحقين يدعون إلى شريعة رسول الله ورسول الله يدعوا إلى الله إذاً كلهم على منهج واحد يقول فيه الله {وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ}
وافْقَه البيان في القرآن ما السبل التي نهى عنها الله؟ التي تقطع الطريق على عباد الله وتوقفهم على نفر من الخلق ولا توجههم إلى الله فكل من يدعوا الخلق إلى الله فهذا هو المنهج القويم والصراط المستقيم أما من يدعوا الخلق إلى نفسه كأن يدعوهم إلى تعظيمه وتوقيره وتلقي الأوامر منه كأنها دستور من السماء ولا يعرضونها على الشريعة الغراء هذا من أهل السبل نهانا الله عن إتباعه أو المشي على منواله أو حتى التفكر في سبيله لأننا جميعاً نتجه إلى دين واحد يقول فيه الله {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ} وعليه شارع واحد هو المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم السلام والكل يشير إليه وهو يشير إلى الله ووجهة الجميع في البدء وفي الختام {فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ}
[1] سنن أبي داود والبيهقي عن جبير بن مطعم
[2] سنن الترمذي وأبي داود ومسند الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه
منقول من كتاب [أمراض الأمة وبصيرة النبوة]