أهلاً وسهلاً بك زائرنا الكريم، إذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيرجى التكرم بزيارة صفحة التعليمات، بالضغط هنا. كما يشرفنا أن تقوم بالتسجيل بالضغط هنا إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى، أما إذا رغبت بقراءة المواضيع والإطلاع فتفضل بزيارة القسم الذي ترغب أدناه
في مشارق الأرض ومغاربها يكون يوم الاستفتاء علي الدستور عيدا للشعوب لأن هذا الدستور بمثابة العقد الاجتماعي الذي يتوافق عليه جميع المواطنين علي اختلاف مشاربهم الفكرية ومدارسهم الحزبية وانتماءاتهم الاجتماعية والدينية والمذهبية والعرقية من أجل ضمان العيش المشترك. وهذه المناسبة المهمة لا تحدث كل يوم ولا كل سنة بل تحدث مرات نادرة في حياة كل شعب لأن التوافق علي هذا العقد الاجتماعي الذي ينظم العلاقة بين الحكام والمحكومين ويضع اسس التوازن بين السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية ويرسم الخطوط الفاصلة للحقوق والواجبات يترافق في العادة مع التغيرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الكبري وبخاصة الثورات التي تعني ان الأسس القديمة التي تحكم حركة المجتمع لم تعد صالحة للاستمرار وان البلاد أصبحت بحاجة إلي إرساء دعائم منظومة حقوقية جديدة. وبقدر اتساع نطاق التوافق علي هذه الأسس الجديدة بقدر ما يطول عمر الدستور الذي يتم اقراره. ولهذا رأينا ان محاولات سلق دساتير يتم طبخها في دهاليز ملتوية أو تفصيلها علي مقاس فئات اجتماعية بعينها ولتلبية مصالح ضيقة يكون مصيرها الفشل وهو ما حدث في مصر مثلا في دستور عام 1930 الذي حاول اسماعيل باشا صدقي فرضه علي البلاد كبديل لدستور .1923 فليس المهم فقط كتابة دستور وانما الأهم هو أن يشارك في كتابة هذا الدستور جميع أطياف المجتمع صغيرها قبل كبيرها واقامة أوسع حوار مجتمعي حوله يؤدي إلي تراض عام حوله قبل الدفع به إلي الاستفتاء الشعبي. في هذه الحالة يكون يوم الاستفتاء علي هذا الدستور التوافقي يوم عيد الشعب قارن ذلك بحالة الانقسام والاستقطاب والاحتقان التي تجري في ظلها الاستعدادات لاستفتاء علي مشروع أول دستور لمصر في أعقاب ثورة 25 يناير وبسقوط رأس دولة الاستبداد والفساد. هذه ليست أجواء ميلاد دستور للوطن والأمة بأي حال من الأحوال وهذا الوضع السلبي المؤسف هو بدوره نتيجة لسلسلة طويلة من الأخطاء التي نجني حصادها المر قبيل الاستفتاء علي مشروع الدستور الجديد. وتبدأ هذه السلسلة بالتشكيل غير المتوازن للجمعية التأسيسية المنوط بها كتابة الدستور بحيث ان حكما قضائيا صدر بحل التأسيسية الأولي لكن التأسيسية الثانية تم تشكيلها بنفس المعايير الفاسدة التي صدر الحكم القضائي ببطلانها سابقا كما ان الرئيس محمد مرسي نفسه اعترف بهذا الخلل في تشكيل تأسيسية الدستور في تعهداته الشهيرة باسم بيان فيرمونت وكانت نتيجة التشبث بهذا التشكيل غير المتوازن انسحاب كل ممثلي التيارات المدنية وكل ممثلي الكنائس المصرية ولم يتبق داخل أروقة الجمعية التأسيسية سوي ممثلي تيار واحد هو تيار الاسلام السياسي. هذا الوضع المبتسر أدي إلي مشكلتين خطيرتين الأولي هي صدور قرارات 22 نوفمبر الشهيرة باسم الاعلان الدستوري الذي أعاد مصر إلي عصور الحاكم الإله وتسبب في صب مزيد من الزيت علي النار. والثانية هي الانتهاء من مسودة الدستور بسرعة مذهلة مريبة منحت هذه المسودة اسم دستور آخر الليل وتم تقديم هذه المسودة إلي الرئيس مرسي الذي سارع بدوره لطرحها للاستفتاء يوم 15 ديسمبر أي ان الفترة المتاحة للمصريين لمناقشتها قصيرة جدا ناهيك عن انها تجري في مناخ متوتر ومشحون يقسم البلاد إلي شطرين متناحرين. والنتيجة هي ان عيد الدستور الذي كان مفترضا أن تعيشه البلاد تحول إلي مأتم يشبه أجؤاء عقد قران لعروس مختطفة من أحضان أهلها. فما بالك وان الاستفتاء علي هذا المشروع يجري في ظل إكراه واضح فإما أن تصوت ب "نعم" لدستور الغرياني وإما أن يبقي معك الاعلان الدستوري إياه إلي الأبد. وهو ما يعيدنا مرة أخري إلي الخيار المر بين الكوليرا والطاعون.