أهلاً وسهلاً بك زائرنا الكريم، إذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيرجى التكرم بزيارة صفحة التعليمات، بالضغط هنا. كما يشرفنا أن تقوم بالتسجيل بالضغط هنا إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى، أما إذا رغبت بقراءة المواضيع والإطلاع فتفضل بزيارة القسم الذي ترغب أدناه
ذهبت الي مليونية "الشريعة والشرعية" وتجولت في أنحائها وتحدثت مع الكثير من شبابها الغض الطري المتدفق حماسة وقوة وعزيمة. رأيت المئات يدخلون ومثلهم يخرجون.. وكأن هذا الفريق يسلم مكانه للآخر.. رأيت أعداداً تفوق الوصف قدرها بعض المراقبين المحايدين بقرابة 2 مليون.. ويكاد الجميع يتفق علي أن هذه المليونية هي أكبر تجمع بشري حدث منذ ثورة 25 يناير.. والبعض يقول إنه أكثر بكثير من حشود هذه الثورة. وأكاد أجزم ان هذه الأعداد الهائلة من البشر هي أكبر بكثير من طاقة حشد كل الحركات الإسلامية المصرية مجتمعة.. وان الذين جاءوا اليها حركتهم رغبة وقناعة جارفة في نفوسهم وقلوبهم.. بعضهم جاء رغبة في استقرار الوطن وبعضهم قال لي أنه جاء خوفاً علي المشروع الإسلامي.. وبعضهم جاء نصرة للدكتور مرسي. لقد حوت هذه المليونية الفقراء والأغنياء وأصحاب المهن والحرف البسطية جنباً الي جنب.. الي جوار أساتذة في الجامعات.. فقد قابلت أساتذة في الجامعات.. فقد قابلت أساتذة في كليات الطب.. كما ضمت الشباب الي جوار الشيوخ الطاغين في السن. حتي إنني رأيت بعض المرضي بين هؤلاء المتظاهرين.. وأسرا كاملة أعرفها فيها الزوج والزوجة وأربعة من الأولاد بينهم أطفال رضع.. فضلاً عن أفواج من البنات بعضهن محجبات وأخريات منتقبات يسرن بين الجموع الهادرة في أمن وطمأنينة.. والجميع متفائل بقادم الأيام. كما قابلت فيها بعض علماء الأزهر الذين لا ينتمون لأي فصيل سياسي إسلامي ويعتزون بمنهجية الأزهر التي تربوا بها وعليها. وقابلت أحبة لم أقابلهم منذ أكثر من ثلاثين عاماً.. فقد وجدت نفسي فجأة أمام الأخ/ محمود عبد الغني الذي اعتقل في بداية دعوتنا في السبعينيات فقمنا بعمل أول مظاهرات لنا في الجامعة للافراج عنه فوراً.. كانت خبرتنا ضعيفة يومها.. كنا نتصور ان مظاهرة يمكن ان تخرج المعتقل فوراً.. أقسم لنا يومها مدير الأمن ومفتش المباحث أنهم لا دخل لهم باعتقاله.. وأن الذين اعتقلوه جاءوا من وزارة الداخلية في القاهرة وهم وحدهم الذين يعرفون سر اعتقاله. كانت لدينا مشاعر قوية للنصرة ولكن دون خبرة سياسية أو حياتية أو معرفة بدولاب العمل في الدولة. خرج محمود عبد الغني بعد ثلاثة أشهر ظنناها دهراً.. ولم نتصور يوماً أنه يمكن ان يمكث الواحد منا معتقلاً في السجون 15 عاماً كاملاً.. وقد يحصل بعضهم علي 45 حكماً قضائياً بالافراج ولا ينفذ.. أو يحكم له بالبراءة فيظل يقضيها في السجن 13 عاماً. وكم كنا نتمني ان يعامل الإخوة في الثمانينيات والتسعينيات مثل معاملة محمود عبد الغني في السبعينيات. قابلت بعض الإخوة من سيناء فقال لي أكبرهم: لقد أحببت الإسلام والتزمت علي كتبك.. وها أنا ألقاك اليوم. رأيت شباباً وشيوخاً من سيناء ومن أسوان.. وبعض إخوة السبعينيات الذين يعيشون في القاهرة ولم ألقهم منذ ثلاثين عاماً.. شعرت أن هذه المليونية هي بوابة للقاء والتواد والتحاب أكثر من أي شئ آخر. صحبني شاب أزهري عرفت أنه من الإخوان توست فيه الذكاء مع الرحمة والعطف قال لي: انه يحب مقالاتي التي انشرها في جريدة الحرية والعدالة.. قلت ما أعجبك فيها.. قال: حديثك عن الدعوة ومحبتك للتسامح. لم يعجبني شعار البعض وهم يهتفون "الله مولانا ولا مولي لهم" أو "قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار".. فمن يؤيد الإعلان الدستوري ومن يخالفه مسلمون يحبون الإسلام.. وهذا خلاف سياسي أكثر منه خلاف ديني.. وقد تتبدل المواقف السياسية بعد ذلك كما تبدلت كثيراً. كم كنت أتمني ألا نكرر مأساة "نعم" أو "لا" في الاستفتاء علي الانتخابات أولاً أم الدستور أولاً التي تحولت الي استقطاب ديني شديد دون مبرر. تحلق حولي البعض يسألوني النصيحة لهم قلت لهم: أوصيكم بالانكسار لله والتواضع لله.. وكلما زاد جمعكم وقوتكم زاد انكساركم لله وتواضعكم للناس.. فالخلق لن يقبلوا علي الحق إلا من نفس محبة لهم ومتواضعة لهم. تأملت هذه الملايين الحاشدة المتحابة التي أشعر باخلاصها وأحسب أنها جاءت حرصاً علي وطنها ورغبة في رؤية مشروعها الحضاري الإسلامي وهو يتبلور علي الأرض. لقد شعرت أن هذه الملايين قد حسمت أمر الموافقة علي الدستور حتي لو كانت فيه بعض الهنات والأخطاء تقديماً للاستقرار علي غيره. وأنهم يبغون استقرار الوطن وبناء مؤسساته علي عجل حتي لو كانت هناك أخطاء وسلبيات في هذه العجلة. وأحسب ان هذه المليونية هي التي أعطت د. مرسي قبلة القوة والعزيمة ليستلم الدستور من الجمعية التأسيسية في نفس الوقت.. وكأنه يقول للجميع: "استناداً علي شعبيتي في الشارع وتأييد الملايين لي سوف أمضي في الأمر دون تردد". ولكني أرجو من د. مرسي ان يبني توافقاً وطنياً حول الدستور وإن كان قادراً علي حسم الأمر دون ذلك.. وأن يجمع ثلاثين من خيرة أبناءالوطن و10 من التأسيسية للدستور.. و10 من المعارضة.. و10 من الفقهاء الدستوريين المستقلين الأفذاذ لتقديم مقترح للإجماع الوطني وجمعاً للوطن علي دستور جيد يحقق التوافق الوطني. فالدستور بغير رضاء كل الأطياف الوطنية قد يفقد كثيراً من قدره وقيمته بل ووظيفته. كما أناشد المعتصمين أمام المحكمة الدستورية العليا بالانصراف لأن ذلك يسئ إلي سمعتهم ويجعلهم محلياً ودولياً في شكل الذين يرهبون القضاة أو يعطلون عملهم.. وإصلاح القضاء لن يأتي بهذه الطرق. ويؤسفني أن من أخطر سلبيات ثورة 25 يناير تكرار حصار المحاكم.. وهذه ثالث مرة يحدث ذلك.. وإذا تم هدم القضاء أو ضعف استقلاله أو حياده "فكبر علي مصر أربعاً".. وأرجو ان نترك إصلاح القضاء لأهل القضاء العارفين به والقادرين علي إصلاحه حتي لو أخذ ذلك بعض الوقت منهم.