حقوق الإنسان في الحضارة الإسلامية د. راغب السرجاني
16/07/2008 - 12:00am
15
![حقوق الإنسان في الحضارة الإسلاميةPy:hesham5456 16208_image002](https://2img.net/h/islamstory.com/sites/default/files/images/stories/articles/119/16208_image002.jpg)
يقول
نيتشه فيلسوف الغرب: "الضعفاء العجزة يجب أن يُفْنَوْا! هذا هو أول مبدأ
من مبادئ حُبِّنَا للإنسانية! ويجب أيضًا أن يُساعَدوا على هذا الفناء"[1].
لكن
فلسفة الإسلام وشريعته لم تكن يومًا لتَحِيد عن القيم والأخلاق، والتي
تمثَّلَتْ في إقرار مجموعة من الحقوق التي شملت كل بني الإنسان، دون تمييز
بين لون أو جنس أو لغة، وشملت أيضًا محيطه الذي يتعامل معه، وتمثَّلَتْ
كذلك في صيانة الإسلام لهذه الحقوق بسلطان الشريعة، وكفالة تطبيقها، وفرض
العقوبات على مَنْ يَعْتَدِي عليها.
نظرة الإسلام للإنسانينظر الإسلام إلى الإنسان نظرة راقية فيها تكريم وتعظيم، انطلاقًا من قوله تعالى: {وَلَقَدْ
كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ
وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ
مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} [الإسراء: 70].
وهذه
النظرة جعلت لحقوق الإنسان في الإسلام خصائص ومميزات خاصَّة، مِن أهمِّها
شموليَّة هذه الحقوق؛ فهي سياسية واقتصادية واجتماعية وفكرية. كما أنها
عامَّة لكل الأفراد، مسلمين كانوا أو غير مسلمين، دون تمييز بين لون أو جنس
أو لغة، وهي كذلك غير قابلة للإلغاء أو التبديل؛ لأنها مرتبطة بتعاليم
ربِّ العالمين.
وقد قَرَّرَ ذلك رسول الله
![حقوق الإنسان في الحضارة الإسلاميةPy:hesham5456 R_20](https://2img.net/h/islamstory.com/sites/all/themes/islamstory/images/r_20.jpg)
في
خطبة الوداع، التي كانت بمنزلة تقرير شامل لحقوق الإنسان، حين قال
![حقوق الإنسان في الحضارة الإسلاميةPy:hesham5456 R_20](https://2img.net/h/islamstory.com/sites/all/themes/islamstory/images/r_20.jpg)
: "...
فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ
يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا إِلَى يَوْمِ
تَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ" [2]
. حيث أكَّدت هذه الخطبة النبويَّة جملة من الحقوق؛ أهمُّها: حرمة الدماء، والأموال، والأعراض.. وغيرها.
وقال
![حقوق الإنسان في الحضارة الإسلاميةPy:hesham5456 R_20](https://2img.net/h/islamstory.com/sites/all/themes/islamstory/images/r_20.jpg)
أيضًا يُعَظِّم من شأن النفس الإنسانيَّة عامَّة، فيحفظ لها أعظم حقوقها وهو حقُّ الحياة، فيقول r عندما سُئِل عن الكبائر: "الإِشْرَاكُ بِاللهِ.. وَقَتْلُ النَّفْسِ.." [3]. فجاءت كلمة النفس عامَّة لتشمل أيَّ نَفْسٍ تُقتل دون وجه حقٍّ.
ثم ذهب الرسول
![حقوق الإنسان في الحضارة الإسلاميةPy:hesham5456 R_20](https://2img.net/h/islamstory.com/sites/all/themes/islamstory/images/r_20.jpg)
إلى أكثر من ذلك حين شرع حفظ حياة الإنسان من نفسه، وذلك بتحريم الانتحار، فقال
![حقوق الإنسان في الحضارة الإسلاميةPy:hesham5456 R_20](https://2img.net/h/islamstory.com/sites/all/themes/islamstory/images/r_20.jpg)
: "مَنْ
تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ،
يَتَرَدَّى فِيهِ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ تَحَسَّى
سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ
جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ
بِحَدِيدَةٍ؛ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَجَأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي
نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا"[4].
هذا،
وقد حرَّم الإسلام كل عمل ينتقص من حقِّ الحياة؛ سواء أكان هذا العمل
تخويفًا، أو إهانة، أو ضربًا، فعن هشام بن حكيم، قال: سمعتُ رسول الله
![حقوق الإنسان في الحضارة الإسلاميةPy:hesham5456 R_20](https://2img.net/h/islamstory.com/sites/all/themes/islamstory/images/r_20.jpg)
يقول: "إِنَّ اللهَ يُعَذِّبُ الَّذِينَ يُعَذِّبُونَ النَّاسَ فِي الدُّنْيَا"[5].
المساواة بين الناس![حقوق الإنسان في الحضارة الإسلاميةPy:hesham5456 16208_image003](https://2img.net/h/islamstory.com/sites/default/files/images/stories/articles/119/16208_image003.jpg)
وبعد
تكريم الإنسان بصفة عامَّة، وتقرير حرمة الدماء والأعراض والأموال، وحقِّ
الحياة، أكَّد على حقِّ المساواة بين الناس جميعًا؛ بين الأفراد والجماعات،
وبين الأجناس والشعوب، وبين الحُكَّام والمحكومين، وبين الولاة والرعيَّة،
فلا قيود ولا استثناءات، ولا فَرْقَ في التشريع بين عربي وأعجمي، ولا بين
أبيض وأسود، ولا بين حاكم ومحكوم، وإنما التفاضل بين الناس بالتقوى، فقال
![حقوق الإنسان في الحضارة الإسلاميةPy:hesham5456 R_20](https://2img.net/h/islamstory.com/sites/all/themes/islamstory/images/r_20.jpg)
: "أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، كُلُّكُمْ لآدَمَ[6]، وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ، أَكْرَمُكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ، وَلَيْسِ لِعَرَبِيٍّ فَضْلٌ عَلَى عَجَمِيٍّ إِلاَّ بِالتَّقْوَى"[7]. ولننظر إلى تعامله
![حقوق الإنسان في الحضارة الإسلاميةPy:hesham5456 R_20](https://2img.net/h/islamstory.com/sites/all/themes/islamstory/images/r_20.jpg)
مع مبدأ المساواة؛ لندرك عظمته
![حقوق الإنسان في الحضارة الإسلاميةPy:hesham5456 R_20](https://2img.net/h/islamstory.com/sites/all/themes/islamstory/images/r_20.jpg)
، فعن أبي أُمامة أنه قال: عَيَّر أبو ذرٍّ بلالاً بأُمِّه، فقال: يابن السوداء. وأنَّ بلالاً أتى رسول الله
![حقوق الإنسان في الحضارة الإسلاميةPy:hesham5456 R_20](https://2img.net/h/islamstory.com/sites/all/themes/islamstory/images/r_20.jpg)
، فأخبره فغضب، فجاء أبو ذرٍّ ولم يشعر، فأَعْرَضَ عنه النبي
![حقوق الإنسان في الحضارة الإسلاميةPy:hesham5456 R_20](https://2img.net/h/islamstory.com/sites/all/themes/islamstory/images/r_20.jpg)
، فقال: ما أعرضكَ عنِّي إلاَّ شيءٌ بلغكَ يا رسول الله. قال: "أَنْتَ الَّذِي تُعَيِّرُ بِلالاً بِأُمِّهِ
؟" وقال النبي
![حقوق الإنسان في الحضارة الإسلاميةPy:hesham5456 R_20](https://2img.net/h/islamstory.com/sites/all/themes/islamstory/images/r_20.jpg)
: "وَالَّذِي
أَنْزَلَ الْكِتَابَ عَلَى مُحَمَّدٍ -أَوْ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ
يَحْلِفَ- مَا لأَحَدٍ عَلَيَّ فَضْلٌ إِلاَّ بِعَمَلٍ، إِنْ أَنْتُمْ
إِلاَّ كَطَفِّ الصَّاعِ[8]"[9].
العدل في الإسلامويرتبط بحقِّ المساواة حقٌّ آخر وهو العدل، ومن روائع ما يُروى في هذا الصدد قول الرسول
![حقوق الإنسان في الحضارة الإسلاميةPy:hesham5456 R_20](https://2img.net/h/islamstory.com/sites/all/themes/islamstory/images/r_20.jpg)
لأسامة بن زيد عندما ذهب ليشفع في المرأة المخزوميَّة التي سرقت:"وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ! لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا"[10]
.وكان
![حقوق الإنسان في الحضارة الإسلاميةPy:hesham5456 R_20](https://2img.net/h/islamstory.com/sites/all/themes/islamstory/images/r_20.jpg)
ينهى كذلك عن مصادرة حقِّ الفرد في الدفاع عن نفسه تحرِّيًا للعدالة، فيقول: "... فَإِنَّ لِصَاحِبِ الْـحَقِّ مَقَالاً..." [11]. ويقول لمن يتولَّى الحُكْم والقضاء بين الناس: "...
فَإِذَا جَلَسَ بَيْنَ يَدَيْكَ الْـخَصْمَانِ فَلاَ تَقْضِيَنَّ حَتَّى
تَسْمَعَ مِنَ الآخَرِ كَمَا سَمِعْتَ مِنَ الأَوَّلِ؛ فَإِنَّهُ أَحْرَى
أَنْ يَتَبَيَّنَ لَكَ الْقَضَاءُ"[12].
حق الكفاية في الإسلاموفي
حقٍّ فريد تختصُّ به شريعة الإسلام، لم يتطرَّق إليه نظام وضعي ولا ميثاق
من مواثيق حقوق الإنسان، يأتي حقُّ الكفاية، ومعناه أن يحصل كل فرد يعيش في
كنف الدولة الإسلامية على كفايته من مقوِّمات الحياة؛ بحيث يحيا حياة
كريمة، ويتحقَّق له المستوى اللائق للمعيشة، وهو يختلف عن حدِّ الكفاف الذي
تحدَّثت عنه النُّظُم الوضعيَّة، والذي يعني الحدَّ الأدنى لمعيشة الإنسان[13].
وحقُّ
الكفاية هذا يتحقَّق بالعمل، فإذا عجز الفرد فالزكاة، فإذا عجزت الزكاة عن
سدِّ كفاية المحتاجين تأتى ميزانية الدولة لسداد هذه الكفاية، وقد عبَّر
الرسول
![حقوق الإنسان في الحضارة الإسلاميةPy:hesham5456 R_20](https://2img.net/h/islamstory.com/sites/all/themes/islamstory/images/r_20.jpg)
عن ذلك بقوله: "... مَنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيَاعًا[14] فَإِلَيَّ وَعَلَيَّ"[15]. ثم قال
![حقوق الإنسان في الحضارة الإسلاميةPy:hesham5456 R_20](https://2img.net/h/islamstory.com/sites/all/themes/islamstory/images/r_20.jpg)
مؤكِّدًا على هذا الحقِّ: "مَا آمَنَ بِي مَنْ بَاتَ شَبْعَانًا[16] وَجَارُهُ جَائِعٌ إِلَى جَنْبِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ بِهِ"[17]. وقال مادحًا: "إِنَّ
الأَشْعَرِيِّينَ إِذَا أَرْمَلُوا فِي الْغَزْوِ، أَوْ قَلَّ طَعَامُ
عِيَالِهِمْ بِالْـمَدِينَةِ جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ
وَاحِدٍ، ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ
بِالسَّوِيَّةِ، فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ"[18].
حقوق المدنيين والأسرى![حقوق الإنسان في الحضارة الإسلاميةPy:hesham5456 16208_image005](https://2img.net/h/islamstory.com/sites/default/files/images/stories/articles/119/16208_image005.jpg)
وإن
حقوق الإنسان لتَصِلُ إلى أوج عظمتها حين تتعلَّق بحقوق المدنيين والأسرى
أثناء الحروب، فالشأن في الحروب أنها يغلب عليها رُوح الانتقام والتنكيل،
لا رُوح الإنسانيَّة والرحمة، ولكن الإسلام كان له منهجٌ إنسانيٌّ تحكمه
الرحمة، وفي ذلك يقول الرسول
![حقوق الإنسان في الحضارة الإسلاميةPy:hesham5456 R_20](https://2img.net/h/islamstory.com/sites/all/themes/islamstory/images/r_20.jpg)
: "لا تَقْتُلُوا وَلِيدًا وَلا امْرَأَةً وَلا شَيْخًا"[19].
وهكذا،
فهذا بعض ممَّا قَنَّنَه الإسلام ووَضَعَهُ كحقوق للإنسان على ظهر
البسيطة، وهي في مجملها تعكس النظرة الإنسانية التي هي رُوح حضارة
المسلمين.
د. راغب السرجاني
توقيع العضو : hesham5456 |
![](https://i.servimg.com/u/f40/12/50/18/35/1695h810.png) ![حقوق الإنسان في الحضارة الإسلاميةPy:hesham5456 1rub6h12](https://i.servimg.com/u/f34/14/24/01/59/1rub6h12.png) **********************************************اقف بلموس على الصورة هتسمع مهرجان اوكا في عبدة موتة >>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>> [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] واي عضو يواجه مشكلة في اى حاجة انا موجود
في النهاية ارجوا ان مواضيعى المتوضعة قد اعجبكم واعجب كل من
الاعضاء تحــيــــــــــــŔàŸàŇــــــــاتي
|