الاحد 4 نوفمبر 2012
السلام عليكم
بسم الله الرحمن الرحيم
حصون المؤمنين
سأل رجل الحسن البصري: يا أبا سعيد، أينام إبليس؟ فقال: لو نام، لوجدنا راحة. اهـ.
نعم، إن إبليس عدو لدود، وقرين مصا، لا يفتر، ولا يلهو، لا ينسى، ولا يسهو.. دائم السعي في إضلال المؤمنين وإيرادهم موارد الهلاك، عداوته أبدية، يعجز أي إنسان - مهما سعى - أن يخفف منها، فضلا عن أن يعقد هدنة أو صلحا مع صاها - عليه لعنة الله - ، وإذا ما تم مثل هذا الصلح فمعناه أن الإنسان قد وقع في المصيدة، وأحكم حوله الحصار، وما يدريك ما وراء ذلك.
ونظراً لشدة عداوة إبليس واستحكامها، فقد جلاها لنا القرآن بوضوح وأمرنا أن نتخذه عدوا، قال الله تعالى -:
{إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير}.
هذا هو هدف الشيطان: إضلال المؤمنين وإغواؤهم ليؤول أمرهم إلى بوار، ويختم لهم بالسوء، ثم تسعر بهم النار
فهل ثمة سبيل للنجاة من مكر هذا العدو، وإاط كيده؟!
طريق الخلاص:
ما كان الله - تعالى - ليذر المؤمنين إلى إبليس، وقبيله، إنه - تعالى - بالمؤمنين رؤوف رحيم، فقد أرشدهم إلى طريق الخلاص، ودلهم على ما يتحصنون به لرد غوايته، وإفساد مكايده، وأول هذه الحصون، وأمنعها:
* معرفة ربه - عز وجل -:
إذ أن من عرف ربه، خافه واتقاه ووقف عند حد وده واستعان بحوله وقوته في جلب المنافع ودفع المضار، ولاذ بحماه عند الشدائد والملمات… ومن هذا شأنه كان إيمانه سياجا يحميه وسداً منيعا يقيه كل عدو يرومه بسوء.
قال – تعالى -: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم تجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم} [يونس: 9]، فالإيمان سبب الهداية وطريقها الذي لا يضل من سلكه ولا يضيع من تمسك به
قال – تعالى -: {ومن يؤمن بالله يهد قلبه والله بكل شيء عليم} [التغابن: 11].
ويأتي من وراء حصن الإيمان حصون وقلاع يحفظ اللجوء إليها إيمان المؤمن، ويصد عنه جيوش الأعداء، وأبرز تلك الحصون:
1- تقوى الله - عز وجل -:
التقوى معلم من معالم صدق الإيمان وشفافية الوجدان، وهي رمز لسلامة القلب ورغبته فيما عند الله - عز وجل -، فلا عجب أن تعود على المؤمن بكل خير، وتدفع عنه كل شر وضير. وحسبك من التقوى أنها وقاية وحفظ تتكسر دونها سهام الأعداء ونصالهم، وتذكر القلب إذا ما غفل أو نسى، {إن الذين آمنوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون} [الأعراف: 201]، فأنى للشيطان أن يجد السبيل إلى قلوب المتقين؟
2- الفقه في دين الله:
الفقه في الدين: علامة الله - تعالى - لعبده، "من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين"، والفقه من أمنع الحروز وأقواها؛ ذلك لأن صاه قد جمع أدلة الأحكام، وفهم دلالاتها وأسرارها، وعرف الحلال والحرام، وأدرك مرامي النصوص والتوجيهات، فهو يهتدي بالأدلة في كل ما يفعل أو يذر.
ولقد كان الصفوة من فقهائنا يقولون: ما عملت عملا إلا وأعددت له جوابا بين يدي ربي - عز وجل -، فلئن سألني: لم فعلت كذا؟ لأقولن: لقد اتبعت كذا من الكتاب أو السنة. فهل للشيطان سبيل على من هذه حاله؟! وأنى يستطيع الشيطان أن يلبس على من اهتدى بالوحي، واقتدى بالنبي - صلى الله عليه وسلم -؟ فلا غرابة أن يكون بعد ذلك، عالم واحد أشد على الشيطان من ألف عابد.
3- حسن التوكل على الله:
المتوكلون قوم تجردوا من حولهم، وقوتهم، فوضوا أمرهم إلى خالقهم، واستسلموا إليه بجميع شأنهم، ذموا أهواءهم بالطاعة فانقادت، وأحكموا الأبواب أمام رغباتهم فاستقامت، سما بهم إيمانهم إلى منازل الأبرار، وتدنوا في القرب، حتى غدوا من الأاب، {إن الله ي المتوكلين} [آل عمران: 159].
والموب محفوظ سبقت له الهداية، ولاحظته العناية، دعاؤه مجاب، وسؤله مسموع، إذا تقرب شبرا، زيد له في القرب ذراع، وإن أقبل ماشيا استُقْبِلَ هرولة، فأي سلطان للشيطان على من تحصن بحصن التوكل ورابط خلف أسواره المنيعة. {إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون} [النحل:99].
ويطول بنا المقام لو ذهبنا نستقصي الحصون الواقية من كيد الشيطان وفتنته، فشكر الله تعالى في السراء والضراء، والرضا بحلو القضاء ومره، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإخلاص العلم لله، وتحري الصدق في القول والعمل، وحمل النفس على آداب الإسلام في منشطها ومكرهها، والعيش ضمن حدوده وآدابه … كل هذه حصون واقيات وقلاع منيعات، تحفظ المؤمن من إبليس وأعوانه، وتحرسه فلا يصلون إليه.
أدب النفس:
ينبغي للمؤمن أن لا يترك أدب النفس في جميع أحواله، وليحذر أن يتهاون به، فمن ترك أدب النفس أو تهاون به أصابه الخذلان وطمع فيه الشيطان، فلا يزال يعالجه ويأتيه بكل حيلة حتى يأخذ منه جميع الحصون ويرده إلى الكفر - إن استطاع -، وذلك منتهى أمل الشيطان ومصدر سعادته.
فالنفس أمارة بالسوء تنقاد للأهواء وتجري وراء الشهوات والشبهات، فمن جاراها سامته أوخم المراعي وأوردته موارد الهلاك وأسلمت زمامه للشيطان يجذبه متى شاء، ومن قهرها بالصبر وسها على الطاعة وارتفع فوق أهوائها نجا وسلم.
يأس الشيطان:
منذ ضرب الإسلام بجرانه - أي ثبت واستقر -، فإن الشيطان قد يئس أن يعبد في أي أرض استضاءت بنور الإسلام، ولكنه قد رضي أن يطاع فيما وراء ذلك من محقرات الذنوب ، لذلك تراه دائب السعي لتلتبس الأمور على المؤمن ويتهاون فيما يجب المحافظة عليه، وبذلك تضعف مقاومته ويسهل اختراق بعض حصونه، ومن ثم يسهل الاستيلاء عليها جميعا.
وإذا ما عجز أن يرد المؤمن كافرا، فسعيه لن ينقطع في أن يرده إلى الفسوق والعصيان، فإن هو أعياه فلا أقل من يرده إلى أضعف الإيمان، وينزله عن مرتبة الكمال.
أقوى الحصون:
يعتبر حصن الإيمان والتوكل من أقوى الحصون وأمنعها، فإذا استطاع المؤمن المحافظة عليهما سلمت له جميع الحصون، وسد على الشيطان طرقه ومنافذه وأط نزغه ووسوسته، قال – تعالى -: {إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون} [النحل: 99].
واجب المربين:
سيبقى عمل المربين ناقصا حتى يأخذوا أنفسهم وإخوانهم وطلابهم بآداب النفوس، ويحصنوهم بحصون الإيمان: علما، وسلوكا، وأخلاقا.. فإنه لا شيء يستميل الأسماع ويفتح مغاليق القلوب مثل حسن الأدب ولباقة العرض والتلطف في البلاغ، فما أرسل الله تعالى من رسول ولا نبي إلا كان يمثل القمة السامقة في حسن الأدب وكريم الخلق وسمو النفس، ومتى توافرت هذه المقومات في الداعية استنار دربه وأحرز قصب السبق وكان من المفلحين، وإن نقصان حظه منها سبب في ضعفه تأثيره أو فشله في دعوته، {ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك} [آل عمران: 159].. لأن القلوب جُبِلَتْ على من أحسن إليها وبغض من عاملها بالإساءة والجفاء، ولا يصح أن يكون خفض الجناح قاصرا على من يراد هدايتهم وتيبهم بهذا الدين، بل لابد أن يكون خلقا شائعا وأصلا ثابتا في تعامل الإخوة فيما بينهم، لا سيما رجال الصفوف الأولى: صفوف القيادة، والتوجيه..
فكل داعية مخاطب بقوله – تعالى -: {واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين} [الشعراء: 215].
وفق الله الجميع ، والحمد لله رب العالمين
الفاتحة لامواتنا واموات المسلمين يارب تقبل؟
توقيع العضو : عبدالناصر خليفه |
|