أهلاً وسهلاً بك زائرنا الكريم، إذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيرجى التكرم بزيارة صفحة التعليمات، بالضغط هنا. كما يشرفنا أن تقوم بالتسجيل بالضغط هنا إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى، أما إذا رغبت بقراءة المواضيع والإطلاع فتفضل بزيارة القسم الذي ترغب أدناه
كان سيدنا موسى يعلم أنَّ قومه قد ضلوا ووقعوا في ذلك الأمر المريع من عبادة العجل وقد انتهى أمر العجل وصدر الحكم على السامرى وبقيت فعلة بني إسرائيل المريعة؟ كيف تتوب بنو إسرائيل منها؟ إذ لابد من اعتذار خاص لله عن هذا وتوبة مخصوصة من الله تعالى عليهم فوقَّت الله تعالى له ولقومه ميقاتاً للتوبة والدعاء وقيل كانا ميقاتان ميقات للتوبة والاعتذار وميقات آخر للمناجاة فأختار موسى منهم سبعين رجلاً من الأسباط الإثنى عشر وممن لم يشتركوا في العجل وأخذهم معه إلى الطور أو الجبل ليعتذروا إلى الله ويتوبوا ويسألوه الصفح عن المذنبين منهم فذهبوا ودعوا الله واعتذروا إليه وهناك أخذتهم الرجفة فصعقوا وتضرَّع موسى لربِّه فأحياهم
واختلف في سبب الرجفة أو الصعق وقيل في ذلك:أنهم لما دعوا الله اعتدوا في دعائهم بما لا يحق أو لا يليق أو عقاباً لأنهم لم ينهوا أصحاب العجل ولم يتجنبوهم وأشهرها أنهم طلبوا من موسى أن يسمعوا خطاب الله له فهو يذهب للمناجاة ويعود يخبرهم أنه كلَّم الله ولا دليل لديه فلما أخذهم موسى معه للجبل وأذن الله لهم وأسمعهم كلامه قيل سمعوه يخبر موسى أن توبتهم بقتلهم أنفسهم فطلبوا رؤية الله جهراً ليستوثقوا من أنه هو الله أو أنهم لما سمعوا كلام الله وطبعهم اللجاج والعناد لم يكتفوا بالسماع بل تمادوا وقالوا لا نصدق حتى نرى الله جهرة فأخذتهم الرجفة وصعقوا
قال الله تعالى {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاء مِنَّا إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاء وَتَهْدِي مَن تَشَاء أَنتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ} وهكذا كان خبر الله لهم ووحيه لنبيه موسى أن توبة عابدي العجل من قومه لن تكون مقبولة منهم إلا بقتلهم لأنفسهم وهنا يجدر بنا أن نبين أنَّ الله تعالى لم يأمرهم بذلك انتقاما وإنما الحقيقة أن حبُّ العجل قد استقرَّ في قلوب كثيرين منهم وأخفوا ذلك فمنهم من أظهر ميله لهارون ولم يصرح بحبه للعجل وآخرون أعلنوا التوبة لموسى والندم عند عودته ولكنهم كذبوا في توبتهم
فأراد الله أن يطهرَّ بني إسرائيل من هؤلاء المنافقين والكافرين فلما نفذوا ما أمروا به من الله بقتلهم أنفسهم كان الكافر يتبدى للمؤمن أولا فيقتله المؤمن فلم يقتل إلا كافرٌ أو منافق فلما فشا القتل دعا موسى ربه أن يعفو عنهم لما أطاعوا الأمر فقبل الله توبتهم وعفا عنهم أجمعين قاتلين ومقتولين لعلهم يشكرونه على نعمه قال تعالى {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُواْ إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} وهنا إشارة وتنبيهٌ أن الحلي التي استعارتها نسوة بني إسرائيل من المصريين بحيلة أنهم سيتزينون بها في عيدهم وهن يضمرن
أخذها معهن عند الخروج مع موسى كانت عليهم وبالاً وبليَّة لأنها مالٌ مغدورٌ ليس وراءه إلا الشرور فصنع السامرى منه عجلاً من الذهب وكان وقوعهم في عبادته ثم تحريقه على يد موسى وتذريته في اليم ثم التوبة عن عبادة العجل بقتلهم لأنفسهم يا ألله احمنا من شرور أنفسنا فهل اعتبر أحدٌ فيما يجلبه المال المغدور لمستحلِّيه من الآثام والشرور وعذاب يوم النشور والآن استقرَّ الأمر وقبل الله توبتهم وطهرهم من أهل الكفر والنفاق وتاب على الجميع والألواح فيها التوراة مع موسى ولم يبق إلا أن يتبعوا أوامر الله لهم فيها ويطبقوا شرع ربهم وهم في طريقهم للأرض المقدسة {وَلَمَّا سَكَتَ عَن مُّوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ} ولكن بنو إسرائيل لم يتقبلوا الأمر هكذا لأن الشرائع ثقلت عليهم كالرجم والقطع والقصاص
ولم يقبلوا التكليف بطيب خاطرهم وإنما قبلوه برفع الجبل فوقهم كأنه ظلة وإلا سيسقط عليهم فيفنيهم وقد ورد في الحديث {وَأَخَذَ الألْوَاحَ بَعْدَ مَا سَكَنَ عَنْهُ الغَضَبُ وَأَمَرَهُمْ بِالَّذِي أُمِرَ بِهِ أَنْ يُبَلِّغَهُمْ مِنَ الوَظَائِفِ فَثَقُلَ (ذَلِكَ عَلَيْهِمْ) وَأَبَوْا أَنْ يُقِرُّوا بِهَا فَنَتَقَ الله عَلَيْهِمْ الجَبَلَ كأنَّهُ ظُلَّةٌ وَدَنَا مِنْهُمْ حَتَّى خَافُوا أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِمْ اخَذُوا الكِتَابَ بأيْمَانِهِمْ وَهُمْ مُصْغُوْنَ إِلى الجَبَلِ وَالأرْضِ وَالكِتَابُ بأيْدِيْهِمْ وَهُمْ يَنْظُرُوْنَ إِلى الجَبَلِ مَخَافَةَ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِمْ}[1] وحكي الله عن تلك الآية المعجزة الغريبة في كتابه العزيز فقال {وَإِذ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّواْ أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}
فهؤلاء هم اليهود رأوا وشاهدوا وعاينوا من الآيات مع موسى وفرعون ما شاء الله لهم من الآيات البينات المتتاليات وكل واحدة أعجب من أختها وأثبت الله لهم مرة بعد مرة أن تشددهم ولجاجهم وعنادهم لا يعود عليهم إلا بكل جفاء وشدة وغلظة ولا يعتبرون ولا يتعظون وقد كانت قصة البقرة التي أمروا بذبحها خير دليل لهم على عاقبة هذا السبيل ثم معجزة شق البحر وعجيب نجاتهم من فرعون ثم ما وقعوا فيه من العجل والصعق والقتل وآيات بلا عدد ولكنها بنو إسرائيل فبعد كل ما شهدوه من العجائب لم يؤمنوا بما جاءهم به موسى إلا والجبل مرفوعاً فوق رؤوسهم وهم سجودٌ على أنصاف وجوههم ينظرون إلى الجبل يكاد يطبق عليهم وعندها فقط قبلوا ما جاء به موسى من التوراة